للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عامر بن الطّفيل، فلم ينظر فيه، وعدا غيلة وغدرا على حرام وقتله. وهو ممن قال العبارة المذكورة، بل ونضح الدم على وجهه ورأسه «١» . وبذلك أسلم قاتله، بعد أن عرف معنى عبارته، ورأى ثباته، وشوقه الأكيد للاستشهاد في سبيل الله.

وممّن قال العبارة أيضا أميرهم المنذر بن عمرو، وهو الملقّب (المعنق ليموت) وقد صار له لقبا بعد استشهاده.

ولما استصرخ عامر بن الطفيل رئيس المشركين بني عامر، رفضوا الاستجابة له وفاء بالعقد والجوار، فاستصرخ قبائل بني سليم، فاستجابوا له: رعل وعصيّة وذكوان. فجرى قتال شديد استشهد فيه كل أولئك الصحابة- رضوان الله عليهم- غير اثنين، وظلّ الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم يدعو عليهم شهرا في صلاة الغداة (الفجر) .

وكان هؤلاء السّبعون من الأنصار (أو أغلبهم من الأنصار، وفيهم العديد من المهاجرين) من القراء «٢» . وقد أورد البخاري ومسلم خلاصة عن هذه الحادثة كما يرويها أنس بن مالك قال: جاء ناس إلى النّبي صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلّمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار، يقال لهم القرّاء- فيهم خالي حرام- يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلّمون. وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصّفّة والفقراء.

فبعثهم النبي صلّى الله عليه وسلم، فعرضوا لهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان. فقالوا:

اللهم بلّغ عنا نبينا أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا. وأتى رجل حراما


(١) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع وبئر معونة، رقم (٣٨٦٥) . حياة الصحابة (١/ ٥٢٩) . الوافي بالوفيات (١١/ ٣٣٠) رقم (٤٨٨) .
(٢) القراء: هم حفظة القرآن الكريم، يحتطبون نهارا، ويتدارسون القرآن، ويتهجّدون ليلا، ويطعمون أهل الصّفّة، ويلبّون سراعا داعي الجهاد. السيرة النبوية، أبو شهبة (٢/ ٢٣٩) .

<<  <   >  >>