للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان إحساس الصحابة عاليا بواجبهم وحبهم لتأدية ما هو مطلوب وأكثر.

كما كان كذلك بأن الفضل لله تعالى لدينه، وهذا فوق كل ما في الحياة من متع ونعيم ومرابح.

لما قدم خراج العراق إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعدّ الإبل فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل يقول:

الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت، ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «١» [يونس: ٥٧- ٥٨] .

من هذا الخلق العالي أنه كان صلّى الله عليه وسلّم والصحابة ثم المسلمون يحفظون المعروف حتى للأعداء، مثلما قال صلّى الله عليه وسلّم عن المطعم بن عديّ في أسرى معركة بدر (وكان قد توفي قبلها) : «لو كان المطعم بن عديّ حيّا، ثم كلّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» «٢» . بل يحسن إلى أعدائه، كما جرى مع أسرى بدر ومع الثمانين المسلحين الذين هاجموا المعسكر الإسلامي في صلح الحديبية (٦ هـ) يريدون غرّته «٣» ، فأسرهم جميعا ثم منّ عليهم دون مقابل ودون أي شرط، بل ولا بطلب من قريش. وكما جرى مع ثمامة بن أثال «٤» . حيث أحسن صلّى الله عليه وسلّم معاملته بعد أن كان يعمل لقتله، فكان من ذلك أنه أسلم، وغدا مجاهدا.

وهكذا كانت السيرة شرحا للإسلام وأخلاقياته حبا في الله تعالى، وطاعة له وبحثا عن رضاه ونعيمه سبحانه وتعالى.

والحمد لله رب العالمين في الأولى والآخرة.


(١) انظر أعلاه، ٣٨٤.
(٢) سبق ذكره. انظر: أعلاه، ١٩٤.
(٣) أخرجه مسلم، رقم (١٨٠٨) . والإمام أحمد، (٣/ ١٢٤) .
(٤) سبق ذكره. انظر: أعلاه، ٣٦٦.

<<  <   >  >>