ولا فرق كبير- إن وجد ذلك- بينه وبين السيرة الشريفة؛ التي كانت جزآ من السنّة المطهّرة، وهي متداخلة معها، أو مستوعبة لها باعتبار.
إن كتابة السيرة الشريفة لا بد أن يتولاها الذين تمثّلوها؛ ليقدّموها للجيل، نقية حية متمثّلة، يتعلّمونها، وينقلونها صورا مسطرة وقائمة في الحياة، ابتداء من نفوسهم.
والذين فشلوا في تمثيلها، وتصويرها في حياتهم، بجانب عدم أمانتهم فيها، ولا شجاعتهم في التحدث بمواقفها، ويؤوّلون أحداثها، ويفسّرونها لتبرير مواقفهم؛ فإنهم سيلوون أعناق الأحداث والنصوص بعد ما لووا أعناقهم، وليلووا أعناق الآخرين. وهم بعد ذلك أو قبله لا يستطيعون الغور في معانيها، وفهم مضامينها، وتصوّر مراميها، والوصول إلى أعماق مدلولاتها القريبة، فضلا عن البعيدة.
ولا بدّ لكتابتها من استيعاب ذلك قولا وعملا، ثم كتابة وتدريسا وتحديثا تأليفا ومتابعة، أو تقديما وتعميقا. وحصول هذا اللون من الفهم الجدير أو الجديد- أحيانا- المنير من بركات الالتزام، وامتداد طبيعته، وقوة مرتكزاته، ومؤهّلات صدق الإقبال عليه.
وإنّ الله تعالى يقيّض في كلّ عصر من يتولى هذا الأمر بحقّه، بل قد كتب في ذلك غير المسلمين، من أمثال أحد المؤلفين الأمريكيين الذي ألف كتابا عن مئة من الأعلام في التاريخ أثّروا في الحياة، وما زال أثره في البشرية أكثر وأكبر، فاختار أولهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وكذا فإنّ من غير المسلمين من يعينون أحيانا على بيان حقائق الإسلام وسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويعجبون بها، مما يعتبر ذلك للإسلام نصرة وعونا في نشر الإسلام، وإن لم يسلموا لأي سبب- أو هم أضمروا إسلامهم- ولعل ذلك باب لإسلامهم، فيما بعد.