الزّمام اليوم، وتحكّمها في الرقاب- إن لم يكن كلها- هو الغياب الإسلامي، يواجهها، ويظهر عوارها وعورها، وينهيها؛ لذلك فهي تحارب الإسلام بكل قواها، وبكافة الأساليب الخفية والجلية، وتتعاون في ذلك متحالفة، واقفة في وجهه، وهو ما نشاهده من هذا التقارب والتالف بل والامتزاج، هو كالزواج بعقد سفاح- بين الصهيونية العالمية والصّليبية العالمية.
وذلك كله تراه رغم تناقضاتها وعداواتها وتناحرها، فالكفر ملّة واحدة؛ لأن ظهور الإسلام، وقيام مجتمعه وحضارته يعجل بها- كما جرى لأمثالها- بل ويعمل لتواريها- لعجزها وضعفها أمامه- فلا تثبت له فواق زمن، وبذلك تغدو كأمس الدابر، أو تصبح أثرا بعد عين.
وغير بعيد عنا أخبار ما جرى لأكبر إمبراطوريتين في العالم يومها (الرومانية- الرومية- والفارسية الساسانية) ، وكيف واجههما الإسلام في عين الوقت، في العقد الثاني من الهجرة النبوية الشريفة، بحفنة من جند الله الأخيار، فزالتا من على وجه الأرض وإلى الأبد. وتلك سنّة الله في مصارع الضالين، ونصره المؤمنين بدعوته أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ «١»[الرعد: ٤١] .
وقد أخبر الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم قبل حدوث ذلك كله وببضع سنين، بما علّمه الله سبحانه، وأوحاه إليه، يوم لم يكن في الأفق ما يدعو له أو يشير إليه، حتى لقد تعجّب فرحا متأكدا موقنا من سمعه من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، حين قال صلّى الله عليه وسلم: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده! لتنفقنّ كنوزهما