للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(لتنفقنّ كنوزهما) في سبيل الله» «١» .

وتفهم من هذا الحديث الشريف أمور كثيرة، منها: أنه بمجئ الإسلام أو قيامه تزول وتذهب وتندثر كلّ جاهلية مهما كانت، ومنها أنه حين يقوم الإسلام لا يبقى أمامه عند المواجهة لا كسرى ولا قيصر- وقد ذهبا نهائيا- كناية عن زوال الظلم والظالمين والقائمين به وعليه، وكل العتاة والبغاة والطواغيت. وذلك آت بعون الله، وكائن بإذنه سبحانه، وتلك من مهمات هذا الدين الإسلامي الذي لا بد أن يتحقق به ذلك، وهذه بعض ما أراده الله سبحانه وتعالى.

وكان الذي جرى لتلك الإمبراطوريتين بما لم يكن ليخطر على بال أحد في العالم- يومها ولا اليوم أو غدا- لهم ولا من حولهم، لولا أنه قد حدث فعلا بشكل لا مجال لإغفاله أو إهماله أو تجاهله، سواء في إمكانية وقوف هؤلاء الأخيار من جند الله الأبرار، أو زوال أولئك الضالين المضلّين، وبهذه السرعة المذهلة، مما يعتبر واحدة من معجزات هذا الدين- أو عليها مسحة منه- بانت في تلك الفتوحات وفي ذلك الزمان على يد أولئك الذين تربّوا على مائدة القرآن الكريم في ظلّ السّيرة النبوية الشريفة، ومقتدين بصاحبها صلّى الله عليه وسلم.

وهؤلاء الأعداء يعرفون جيدا صدق هذا الدين وحقيقته وأحقيته الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: ١٤٦] لذلك هم يستميتون في حربه، فهم ما فتئوا كلما استطاعوا لذلك سبيلا- مهما تبدلت الأساليب- يقفون حائلا دون قيام أهله وأبنائه به، ويقاعدون لهم كل مرصد؛ لمنعهم من صراط الله المستقيم، يرتجفون أن يجتمع عليه وبه الأفاضل العماليق أو العمالقة، كما يسمّونهم؛ لذلك فهم يعملون- حسب تعبيرهم- على عدم إيقاظ العملاق وإبقائه نائما،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الخمس، باب: قوله صلّى الله عليه وسلم: (أحلت لكم الغنائم) ، رقم (٢٩٥٣) . ومسلم: رقم (٢٩١٨، ٢٩١٩) . انظر كذلك: سير أعلام النبلاء (٣/ ١٦٤) .

<<  <   >  >>