والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال) «١» . كان إيمانهم غامرا وعملهم باهرا وجهادهم موّارا، لا يقف ولا يهدأ ولا يعبأ.
ويشاركهم في ذلك علماء الأمة وأجيالها، التي تلقت ذلك كله بالقبول التام والحب والجد والعمل والصدق والإخلاص، أمانة صانتها وافتدتها، وأفنت ما عندها وأنفقته طائعة راغبة لحفظه وبثّه، لا تألو في ذلك جهدا ولا توفر طاقة ولا تدّخر مكنة. إلا أنه يبقى للصحابة الكرام شرف لا ينال ولا يطال بحال، هو شرف الصحبة والسبق والمستوى، لا سيما من كان في ذؤابتها منهم، مثل المهاجرين والأنصار، فغدا ذلك هو الشرف وهو النسب وهو الميزان. والصحابة هم الذين بلغوا- بهذا الدين- قمة إنسانية سامقة، فكانوا الجيل الفريد السعيد. كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم فيهم يدعوهم ويربيهم على كتاب الله، الذي كان له مثالا، قدوة عالية وأسوة حسنة. والله تعالى يقول: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: ٨- ١٠] .
وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح: ١٨] . وكان هذا في أولئك الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية في ذي قعدة السنة السادسة للهجرة، وكان عددهم ألفا وخمسمئة (خمس عشرة مئة) ، جاؤوا للعمرة وغير مستعدين- من كل ناحية- للمواجهة والقتال. ومع ذلك بايعوه صلى الله عليه وسلم جميعا، على الموت وعلى أن لا يفرّوا. حقا إنه الجيل الفريد؛ الذين استحقوا هذه المكانة من الله تعالى،