للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول صلى الله عليه وسلم ويا له من شرف، حين قال يوما لأصحابه: «أي المؤمنين أعجب إليكم؟» . قالوا: الملائكة. قال: «وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟» . قالوا: فالأنبياء. قال: «وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟» . قالوا: فنحن. قال: «وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟

ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها» «١» . ونحن إن شاء الله من هؤلاء، والحمد لله رب العالمين على نعمة هذا الدين. ولقد اعتبر صلى الله عليه وسلم الأجيال المؤمنة التالية للصحابة بأنهم إخوانه، فنعمت هذه الأخوة وكرمت ونفست.

فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى البقيع فقال:

«السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنّا قد رأينا إخواننا» قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد» قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: «أرأيت لو أن رجلا له خيل غرّ محجّلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون غرّا محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض» «٢» .

فالصحابة الكرام كانوا مثلا يهتدى بهم ويقتدى، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تربوا على كتاب الله فهو نور وهدى لهم ولأهل الأرض أجمعين، وهو الحق الذي تتبين آياته في كل حين. بلّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بلاغ وأدّاه خير أداء وجاهد له أعظم جهاد تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤)


(١) التفسير (٦/ ٣٤٨٣) .
(٢) رواه مسلم: كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرّة، رقم (٢٤٩) . انظر: رياض الصالحين (٤٢٩- ٤٣٠) ، رقم (١٠٢٩) . ودّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية إخوانه- ونحن منهم، إن شاء الله تعالى- في الدنيا. ولئن فاتنا هذا في الدنيا، فنرجو رؤيته واللقاء به والاجتماع تحت رايته في الآخرة، إن شاء الله. الغرّة: بياض في وجه الفرس. والتحجيل: بياض في قوائمه. الدّهم: السود. البهم: لا يخالط لونهم لونا آخر غير السواد.

<<  <   >  >>