للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنفسه لاستعداداتها، حتى يكون أهلا لاستحقاقاتها. والرسول صلّى الله عليه وسلّم يعرف أصحابه وعنهم، أكثر مما يعرفون هم عن أنفسهم «١» . وكان يدلّهم صلّى الله عليه وسلّم على الطريق، وأن التقرب إلى الله لا بد من العمل له، احتمالا وإقبالا وبذلا، يقوم على صدق النية والإخلاص الأكيد الكامل لله رب العالمين. وخلوص المسلم، بكل ما لديه همة ومكنة ووجهة، له سبحانه وتعالى متجردا وفرحا، بما يؤديه ويقدمه. وعند ذاك يعينه الله ويقويه ويستجيب له، وفي الحديث الشريف أن يدعو المسلم الله ربه وهو موقن بالإجابة «٢» .

وعلى ذلك، ولأن هذا الرجاء من ربيعة مطلب أساس يتمناه، فهو لا يستبدله ولا يريد غيره، بل أكده لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنه مستعد لتكاليفه التي تهون، ليتحقق له رجاؤه. فلم يكن حرصه على صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات حدود، محبة عظيمة لا مثيل لها، في صدقها وعمقها وقوتها. وكذلك يحبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي كان يؤثرهم على نفسه ويقدم أمورهم ويرعاهم وفتقدهم ويتفقدهم ويحملهم، معينا على ذلك الارتقاء في سلّم الإيمان، ليصلوا باستعداداتهم الإيمانية التي بناها لهم بالإسلام وحده إلى قممه العالية ما استطاعوا.

ولذلك بيّن صلّى الله عليه وسلّم لربيعة، كيف يمكنه أن تستمر الصحبة من الدنيا إلى الآخرة، وهو أمر كان يشغلهم بعد ما عرفوه وقدروه وذاقوا طعمه في الدنيا، فحرصوا عليه وغدا لهم شغلهم الشاغل «٣» ، فقال له صلّى الله عليه وسلم: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» . إذا حتى يدعو الله له ويستجيب لسؤاله، عليه أن يعين هو نفسه رسول الله صلى الله عليه وسلّم على تحقيق هذا المطلب بكثرة السجود لله رب العالمين.

والرسول صلّى الله عليه وسلم- رغم كثرة عبادة الصحابة- كان صلّى الله عليه وسلّم أكثرهم عبادة


(١) التفسير، (٢/ ٦٩٨) .
(٢) بمعناه، ولعله أثر.
(٣) انظر: التفسير (٢/ ٧٠٠) .

<<  <   >  >>