وهذا هو البناء العميق القوي المؤمن بالله ورسوله ودعوته، الذي أقامه الإسلام، يحافظ عليه صاحبه ويستمر في إعلائه ذاتيا، فتأتي ثماره في الحياة بكل أحواله، صورا جاهرة بارّة ناطقة، فتراه سلوكا ظاهرا وضيئا متلألئا. وهكذا يستمر ويقوى ويشتد عوده ثم يعلو وبشكل متواصل، بحرص من ذات النفس، ويقدّم بقوة عطاءه واضحا في مسالك الحياة ودروبها، وفي كل مجال، ليصبح لهم سمة خلقية، حتى غدوا يأخذون بالعزائم مع وجود الرّخص. فكانت حياتهم بناء وإعلاء وعطاء، تتناسب والمهمة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان، وبه يحققونه. وهي الخلافة في الأرض، لبنائها وعمارتها وإنارتها كلها، بشرع الله الذي أنزله على رسوله الكريم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم، مقتدين به آخذين بسنته الكريمة. وكل يوم يزداد ذلك ويتضح ويتقدم، وكان يتم جميعا في هذا الجو الكريم وفي المعترك والمواجهة ومضطرب الأحداث.
٢- بهذا البناء الإيماني الرباني الوحيد، أصبحت نفوسهم كلما وصلت
فمدحه أحد الشعراء بقوله: وبلال عبد الله خير بلال. فقال عبد الله بن عمر للشاعر: كذبت، بل: وبلال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير بلال. سير أعلام النبلاء (١/ ٣٤٩) . ولهذه مدلولات كثيرة. وانظر عبد الله بن عمر حين علم ما قاله صلّى الله عليه وسلّم فيه عن طريق أخته أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم حيث قال صلّى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي بالليل» . فما ترك صلاة الليل (التهجد) حتى وفاته (فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا) . البخاري، (٣٥٣٠) . هذه الشواهد للأفراد، أما الجماعات فما أكثرها، لأنها تتكون من هؤلاء الأفراد. وانظر مثلا في الهجرة والمهاجرين والنصرة والأنصار واستجابة المسلمين ومواجهاتهم، بل وإقدامهم وبذلهم وتضحياتهم- أفرادا وجماعات- في المعارك والفتوحات وهروعهم للمعاونات. يتعاونون في كل الأحوال والتجمعات على الخير والطاعة والاستجابة، للنساء والرجال والأطفال. خذ مثلا استجابتهم في فعل الأمر بالمعروف والانتهاء عن النواهي. من ذلك ما فعلت النساء المسلمات حين نزلت آية الحجاب (سورة النور، ٣١) وما فعل الرجال حين نزلت آية تحريم الخمر (سورة المائدة، ٩٠- ٩١) . وسيأتي شرح ذلك بتفصيل إن شاء الله تعالى.