إلى قمة، نظرت وتطلعت إلى التي تليها لتعتليها. وتلك طبيعة الإسلام وصياغته التي اصطبغت بها كل تصرفاتهم، شأن كل من يقبل على هذا الدين، الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى من أحد دينا غيره، متوكلا على الله جل جلاله، ملتزما بشرعه العظيم مقتديا بنبيه الكريم صلّى الله عليه وسلم. ولكن بالاتجاه الرباني الذي يريده الإسلام والذي كلما تقدّمت فيه تقوى أكثر، آخذا بأسباب الترقي فيه، باتساعه الذي لا حدود له.
وكان هذا الترقي- في سلّم الإيمان- النبع الذي جرى عذبا زلالا نقيا إلى التابعين ومن بعدهم، وسيبقى- إن شاء الله- إلى يوم الدين. والكل كان مهتما بدراسة ومعرفة السيرة الشريفة ويستقون منها. وتجد آثارها وثمارها ماثلة في حياتهم، ابتغاء رضوان الله تعالى وثوابه وجنته تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: ٨٣] .
فهم لذلك يعملون ويجتهدون ويجدّون في هذا الاتجاه، وهو كل همهم لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر: ٨] . فكان هو بناؤهم ورّثوه لمن بعدهم من الأجيال التالية.
وهذه التربية والبناء جعلت سمتهم الذاتية بهذه المعاني عالية جدا، إلى حد أن الخليفة عمر بن الخطاب- مثلا- رضي الله عنه يقول:(لو عثرت بغلة بالعراق لرأيتني مسؤولا عنها أمام الله تعالى لم لم أسوّ لها الطريق) . ومع ذلك فحين طعن قال لابنه عبد الله: خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب، لعل الله يرحمني وويل لأمي إن لم يرحمني الله عز وجل، وأنشد:
ظلوم لنفسي غير أني مسلم ... أصلي الصلاة كلّها وأصوم «١»
إذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول هذا ويعتبر نفسه مقصرا، فما الذي نقوله نحن إذا، وما موقفنا؟ وقل معي: