للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.

والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لايزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي! "١.والرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه، فابحثي عن بعض هذه الأسباب، لعلك تقعي بالمقصود، كما روي عن أبي يزيد رضي الله عنه: أنه نزل بعض الأعاجم في داره، فجاء، فرآه، فوقف بباب الدار، وأمر بعض أصحابه، فدخل، فقلع طينًا جديدًا قد طينه، فقام الأعجمي وخرج، فسئل أبو يزيد عن ذلك؟ فقال: هذا الطين من وجه فيه شبهة، فلما زالت الشبهة، زال صاحبها.

وعن إبراهيم الخواص٢ رحمة الله عليه: أنه خرج لإنكار منكر، فنبحه كلب له، فمنعه أن يمضي، فعاد، ودخل المسجد، وصلى، ثم خرج، فبصبص الكلب٣ له، فمضى، وأنكر، فزال المنكر، فسئل عن تلك الحال؟ فقال: كان عندي منكر، فمنعني الكلب، فلما عدت، تبت من ذلك، فكان ما رأيتم.

والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب، فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح، وقد روي عن بعض السلف: أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت، أسرت، وإن أسرت، تنصرت.

والسادس: أنه ربما كان فقد ما فقدته سببًا للوقوف على الباب واللجأ، وحصوله سببًا للاشتغال عن المسؤول. وهذا الظاهر، بدليل أنه لولا هذه النازلة، ما


١ رواه أحمد "٣/ ١٩٣ و ٢١٠"، وأبو يعلى "٢٨٦٥"، وأبو نعيم "٦/ ٣٠٩" عن أنس رضي الله عنه.
٢ إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل، أبو إسحاق، من أقران الجنيد، توفي في جامع الري سنة "٢٩١ هـ".
٣ بصبص الكلب: هز ذيله تملقًا.

<<  <   >  >>