للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٧١- فصل: لا بد من مغالطة ليتم العيش

٧٨٦- لما سطرت هذا الفصل المتقدم، رأيت ادكار النفس بما لا بد لها في الطريق منه، وهو أنه لا بد لها من التلطف، فإن قاطع مرحلتين في مرحلة خليق بأن يقف، فينبغي أن يقطع الطريق بألطف ممكن، وإذا تعبت الرواحل، نهض الحادي يغنيها، وأخذ الراحة للجد جد، وغوص السابح في طلب الدر صعود، ودوام السير يحسر١ الإبل، والمفازة٢ صعبة.

٧٨٧- ومن أراد أن يرى التلطف بالنفس؛ فلينظر في سير الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يتلطف بنفسه، ويمازح، ويخالط النساء، ويقبل، ويمص اللسان، ويختار المستحسنات، ويستعذب له الماء، ويختار الماء البارد، والأوفق من المطاعم، كلحم الظهر والذراع والحلوى.

٧٨٨- وهذا كله رفق بالناقة في طريق السير، فأما من جرد عليها السوط؛ فإنه يوشك ألا يقطع الطريق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى"٣.

٧٨٩- واعلم أنه يبنغي للعاقل أن يغالط نفسه فيما يكشف العقل عن


١ الحسر: التعب والإعياء.
٢ المفازة: الصحراء المهلكة.
٣ رواه البيهقي في السنن "١٩١٣"، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث: صدوق كثير الغلط؛ لكن شطره الأول: رواه أحمد "٣/ ١٩٩" عن أنس رضي الله عنه، قال الهيثمي في المجمع "١/ ٦٧": رجاله موثوقون إلا خلف بن مهران، فإنه لم يدرك أنسًا، و "المنبت" الذي يتعب دابته حتى لا تطيق السير.

<<  <   >  >>