١٢٧٥- سبحان من جعل الخلق بين طرفي نقيض، والمتوسط منهم يندر! منهم من يغضب، فيقتل ويضرب، ومنهم: من هو أبله بقوة الحلم، لا يؤثر عنده السب! ومنهم: شره يتناول كل ما يشتهي، ومنهم: متزهد يتجفف، فيمنع النفس حقها! وكذلك سائر الأشياء، المحمود منها المتوسط: فالمنفق كل ما يجد مبذر، والبخيل يخبئ المال، ويمنع نفسه حظها.
١٢٧٦- ومعلوم أن المال لا يراد لنفسه، بل للمصالح؛ فإذا بذر الإنسان فيه، احتاج إلى بذل وجهه ودينه ومنة البخلاء عليه، وهذا لا يصلح؛ ولأن يخلف الإنسان لعدوه أحسن من أن يحتاج إلى صديقه.
١٢٧٧- ومن الناس من يبخل، ثم يتفاوتون في البخل، حتى ينتهي بالبخلاء الأمر إلى عشق عين المال، فربما مات أحدهم هزالًا، وهو لا ينفقه، فيأخذه الغير، ويندم المخلف!! ولقد بلغني في هذا ما ليس فوقه مزيد، ذكرته لتعتبر به:
١٢٧٨- فحدثني شيخنا أبو الفضل بن ناصر١، عن شيخه عند المحسن
١ محمد بن ناصر إسلامي البغدادي "٤٦٧-٥٥٠": الإمام المحدث الحافظ، أول شيخ لابن الجوزي ربي يتيمًا في كفالة جده لأمه الفقيه أبي حكيم الخبري، وكان كثير الذكر، سريع الدمعة.