للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٤٠- فصل: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد

٦٥٦- الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد؛ لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه، البعيد منه، فأمره بقصد بيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له.

فقلوب الجُهَّالِ تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر، لكفوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه، فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط.

ولولا نوع تغطية على عين المراقبة الحقيقية، لما انبسطت كف بأكل، ولا قدرت عين على نظر. ومن هذا الجنس: "إنَّهُ لَيُغَانُ عَلى قَلْبِي"١.

وَمَتَى تحققت المراقبة، حصل الأنس؛ وإنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة؛ لأن المخالفة توجب الوحشة، والموافقة مبسطة المستأنسين، فيا لذة٢ عيش المستأنسين! ويا خسارة المستوحشين!

٦٥٧- وليست الطاعة كما يظن أكثر الجهال أنها مجرد الصلاة والصيام، إنما الطاعة الموافقة بامتثال الأمر، واجتناب النهي، هذا هو الأصل والقاعدة الكلية. فكم من متعبد بعيد؛ لأنه مضيع الأصل، وهادم القواعد بمخالفة الأمر، وارتكاب النهي، وإنما المحقق من أمسك ذؤابة٣ ميزان المحاسبة للنفس، فأدى ما عليه، واجتنب ما نهي عنه، فإن رزق زيادة تنفل؛ وإلا لم يضره. والسلام.


١ رواه مسلم "٢٧٠٢" عن الأغرّ المزني، وتمامه: " ... وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" ومعنى "يغان على قلبي" أي: يغشاه من السهو ما لا يخلو منه البشر؛ لأن قلبه أبدًا مشغول بالله؛ فإن عرض له عارض بشري يشغله عن أور الأمة والملة ومصالحهما عد ذلك ذنبًا وتقصيرًا، فيفزع إلى الاستغفار.
٢ في الأصل: للذة.
٣ ذؤابة الميزان: عروته التي يمسك منها.

<<  <   >  >>