١١٤٢- من رزقه الله تعالى العلم والنظر في سير السلف، رأى أن هذا العالم ظلمه، وجمهورهم على غير الجادة، والمخالطة لهم تضر ولا تنفع! فالعجب لمن يترخص في المخالطة، وهو يعلم أن الطبع لص١ يسرق من المخالط!
١١٤٣- وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل، ليستفاد منه، فأما مخالطة الدون، فإنها تؤذي؛ إلا أن يكون عاميًّا يقبل من معلمه، فينبغي أن يخالط بالاحتراز.
١١٤٤- وفي هذا الزمان: إن وقعت المخالطة للعوام، فهم ظلمة مستحكمة؛ فإذا ابتلي العالم بمخالطتهم، فليشمر ثياب الحذر، ولتكن مجالسته إياهم للتذكرة والتأديب فحسب.
١١٤٥- وإن وقعت المخالطة للعلماء، فأكثرهم على غير الجادة، مقصودهم صورة العلم لا العمل به، فلا تكاد ترى من تذاكره أمر الآخرة؛ إنما شغلهم الغيبة، وقصد الغلبة، واجتلاب الدنيا، ثم فيهم من الحسد للنظراء ما لا يوصف!
١١٤٦- وإن وقعت المخالطة للأمراء، فذاك تعرض لفساد الدين؛ لأنه إن تولى لهم ولاية دنيوية، فالظلم من ضروراتها، لغلبة العادة عليهم، والإعراض عن الشرع. وإن كانت ولاية دينية، كالقضاء؛ فإنهم يأمرونه بأشياء لا يكاد يمكنه المراجعة فيها، ولو راجع، لم يقبلوا، وأكثر القوم يخاف على منصبه، فيفعل ما أمر به، وإن لم يجز.
١١٤٧- وربما رأيت في هذا الزمان أقوامًا يبذلون المال ليكونوا قضاة أو شهودًا، ومقصودهم الرفعة، ثم أكثر الشهود يشهد على من لا يعرفه، ويقول: إنه معروف! ويدري أنه كذاب! وإنما عرف لأجل حبة يعطاها. وكم قد وقعت شهادة على غير المشهود عليه وعلى مكره!