للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢٦٢- فصل: أسباب الهداية

١٢٠٣- تفكرت في سبب هداية من يهتدي، وانتباه من يتيقظ من رقاد غفلته، فوجدت السبب الأكبر اختيار الحق -عز وجل- لذلك الشخص، كما قيل: إذا أرادك لأمر، هيأك له.

فتارة تقع اليقظة بمجرد فكر يوجبه نظر العقل، فيتلمح الإنسان وجود نفسه، فيعلم أن لها صانعًا، وقد طالبه بحقه، وشكر نعمته، وخوفه عقاب مخالفته، ولا يكون ذلك بسبب ظاهر.

١٢٠٤- ومن هذا ما جرى لأهل الكهف: {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: ١٤] . وفي التفسير: أن كل واحد منهم ألفى١ في قلبه يقظة، فقال: لا بد لهذا الخلق من خالق، فاشتد كرب بواطنهم من وقود نار الحذر، فخرجوا إلى الصحراء، فاجتمعوا عن غير موعد، فكل واحد يسأل الآخر: ما الذي أخرجك فتصادقوا.

١٢٠٥- ومن الناس من يجعل الخالق سبحانه وتعالى -لذلك السبب الذي هو الفكر والنظر- سببًا ظاهرًا، إما من موعظةٍ يسمعها، أو يراها، فيحرك هذا السبب الظاهر فكرة القلب الباطنة.

١٢٠٦- ثم ينقسم المتيقظون: فمنهم: من يغلبه هواه، ويقتضيه طبعه ما يشتهى مما قد اعتاده، فيعود القهقهري، ولا ينفعه ما حصل له من الانتباه، فانتباه مثل هذا زيادة في الحجة عليه، ومنهم: من هو واقف في مقام المجاهدة بين صفين: العقل الآمر بالتقوى، والهوى المتقاضي بالشهوات، فمنهم: من يغلب بعد المجاهدات الطويلة، فيعود إلى الشر، ويختم له به، ومنهم: من يغلب تارة، ويغلب أخرى، فجراحاته لا في مقتل. ومنهم: من يقهر عدوه، فيسجنه في حبس؛ فلا يبقى للعدو من الحيلة إلا الوساوس. ومن الصفوة أقوام، مذ تيقظوا ما ناموا٢، ومذ سلكوا ما


١ ألفى: وجد.
٢ في الأصل: ما قاموا، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>