٢٢٩- فصل: من الصالحين من غلب عليه الرفق ومنهم من غلب عليه الخوف
١٠٥٠- قد سمعنا بجماعة من الصالحين عاملوا الله عز وجل على طريق السلامة والمحبة واللطف، فعاملهم كذلك؛ لأنهم لا يحتمل طبعهم غير ذلك، ففي الأوائل برخ العابد، خرج يستسقي، فقال [مناجيًا الله] : ما هذا الذي لا نعرفه منك؟! اسقنا الساعة فسقوا.
وفي الصحابة أنس بن النضر، يقول: والله، لا تكسر سن الربيع. فجرى الأمر كما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".
وهؤلاء قوم غلب عليهم ملاحظة اللطف والرفق، فلطف بهم، وأجروا على ما اعتقدوا.
١٠٥١- وهناك أعلى من هؤلاء، يسألون فلا يجابون، وهم بالمنع راضون، ليس لأحدهم انبساط، بل قد قيدهم الخوف، ونكس رؤوسهم الحذر، ولم يروا ألسنتهم أهلًا للانبساط؛ فغاية آمالهم العفو، فإن انبسط أحدهم بسؤال، فلم ير الإجابة، عاد على نفسه بالتوبيخ، فقال: مثلك لا يجاب! وربما قال: لعل المصلحة في منعي. وهؤلاء الرجال حقًّا.
١٠٥٢- والأبله الذي يرى له من الحق أن يجاب؛ فإن لم يجب، تذمر في باطنه، كأنه يطلب أجرة عمله، وكأنه قد نفع الخالق بعبادته!
وإنما العبد حقًّا من يرضى ما يفعله الخالق، فإن سأل، فأجيب، رأى ذلك فضلًا، وإن منع، رأى تصرف مالك في مملوك، فلم يجل في قلبه اعتراض بحال.