للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدركوا الإسلام، فقالوا: كيف نركع ونسجد فتعلونا أستاهنا١؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود"٢، ومع هذه الأنفة، يذلون لمن هم خير منه، هذا يعبد حجرًا! وهذا يعبد خشبة! وقد كان قوم يعبدون الخيل والبقر!

وإن هؤلاء لأخس من إبليس، فإن إبليس أنف -لادعائه الكمال- أن يسجد لناقص، فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [ص: ٧٦] ! وفرعون أنف أن يعبد شيئًا أصلًا! فالعجب من ذل هؤلاء المفتخرين المتعاظمين المتكبرين لحجر أو خشبة! وإنما ينبغي أن يذل الناقص للكاملين!!

وقد أشير إلى هذا في ذم الأصنام في قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف: ١٩٥] ، والمعنى: أنتم لكم هذه الآلات المدركة، وهم ليس لهم، فكيف يعبد الكامل الناقص؟!

غير أن هوى القوم في متابعة الأسلاف، واستحلاء ما اخترعوه بآرائهم؛ غطى على العقول، فلم تتأمل حقائق الأمور!

١٠٤٩- ثم غطى الحسد على أقوام فتركوا الحق، وقد عرفوه! فأمية بن أبي الصلت٣ يقر برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقصده ليؤمن به، ثم يعود فيقول: لا أومن برسول ليس من ثقيف. وأبو جهل يقول: والله، ما كذب محمد قط، ولكن، إذا كانت السدانة والحجابة في بني هاشم، ثم النبوة، فما بقي لنا؟! وأبو طالب يرى المعجزات، ويقول: إني لأعلم أنك على الحق، ولولا أن تعيرني نساء قريش، لأقررت بها عينك٤.

فتعوذ بالله من ظلمة حسد، وغيابة كبر، وحماقة هوى، تغطي على نور العقل، ونسأله إلهام الرشد، والعمل بمقتضى الحق.


١ الأستاه: الأعجاز.
٢ رواه أبو داود "٣٠٢٦"، وأحمد "٤/ ٢١٨" عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، وفي سنده انقطاع "ضعيف".
٣ الثقفي: شاعر من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، أكثر في شعره في ذكر الآخرة، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم كبرًا وحسدًا، مات في الطائف سنة "٥هـ".
٤ رواه مسلم "٢٥" عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>