١٢٣٩- سبحان من ظهر لخلقه حتى لم يبق خفاء، ثم خفي حتى كأنه لا ظهور.
أي ظهور أجلى من هذه المصنوعات التي تنطق كلها بأن لي صانعًا صنعني، ورتبني على قانون الحكمة؟! خصوصًا هذا الآدمي الذي أنشأه من قطرة، وبناه على أعجب فطرة، ورزقه الفهم والذهن، واليقظة والعلم، وبسط له المهاد، وأجرى له الماء والريح، وأنبت له الزرع، ورفع له من فوقه السماء، فأوقد له مصباح الشمس بالنهار، وجاء بالظلمة ليسكن إلى غير ذلك، مما لا يخفى، وكله ينطق بصوت فصيح يدل على خالقه، وقد تجلى الخالق سبحانه بهذه الأفعال، فلا خفاء.
١٢٤٠- ثم بعث الرسل فقراء من الدنيا، ضعاف الأبدان، فقهر بهم الجبابرة، وأظهر على أيديهم من المعجزات ما لا يدخل تحت مقدور بشر، وكل ذلك ينطق بالحق، وقد تجلى سبحانه بذلك لعباده.
١٢٤١- ثم يأتي موسى عليه السلام إلى البحر، فينفرق؛ فلا يبقى شك في أن الخالق فعل هذا، ويكلم عيسى عليه السلام الميت، فيقوم، ويبعث طيرًا أبابيل، تحفظ بيته، فيهلك قاصديه. وهذا أمر يطول ذكره كله، يدل على تجلي الخالق سبحانه بغير خفاء.
١٢٤٢- فإذا ثبت عند العقلاء ذلك من غير ارتياب ولا شك، [ثم] جاءت أشياء كأنها تستر الظاهر، مثل ما سبق من تسليط الأعداء على الأولياء، وإذا ثبت التجلي بأدلة لا تحتمل التأويل، علمت أن لهذا الخفاء سرًّا لا نعلمه، يفترض على العقل فيه التسليم للحكيم، فمن سلم سلم، ومن اعترض هلك.