٥٣٧- رأيت جماعة ممن أفنى أوائل عمره وريعان شبابه في طلب العلم، يصبر على أنواع الأذى، وهجر فنون الراحات، أنفة من الجهل ورذيلته، وطلبًا للعلم وفضيلته، فلما نال منه طرفًا رفعه عن مراتب أرباب الدنيا، ومن لا علم له إلا بالعاجل، ضاق به معاشه، [أو قل ما ينشده لنفسه من حظوظ] ، فسافر [في] البلاد، يطلب من الأراذل، ويتواضع للسفلة وأهل الدناءة والمكاس١. وغيرهم!
٥٣٨- فخاطبت بعضهم، وقلت: ويحك! أين تلك الأنفة من الجهل، التي سهرت لأجلها، وأظمأت نهارك بسببها؟! فلما ارتفعت وانتفعت، عدت إلى أسفل سافلين! أفما بقي عندك ذرة من الأنفة تنبؤ بها عن مقامات الأراذل؟! ولا معك يسير من العلم يسير بك عن مناخ الهوى؟! ولا حصلت بالعلم قوة تجذب بها زمام النفس
١ المكاس: العشار أو الجابي، وذلك لكثرة سلبهم لأموال الناس دون وجه حق.