للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٤٣- فصل: قطع أسباب الفتن

٦٦٣- ما رأيت أعظم فتنة من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها: "ومن حام حول الحمى، يوشك أن يقع فيه"١.

٦٦٤- قال بعض المعتبرين: قدرت مرة على لذة ظاهرها التحريم، وتحتمل الإباحة؛ إذ الأمر فيها مردد، فجاهدت النفس، فقالت: أنت ما تقدر؛ فلهذا تترك، فقارب المقدرو عليه، فإذا تمكنت، فتركت، كنت تاركًا حقيقة، ففعلت، وتركت.

ثم عاودت مرة أخرى في تأويل، أرتني فيه الجواز، وإن كان الأمر يحتمل، قلمًا وافقتها، أثر ذلك لظمة في قلبي، لخوف أن يكون الأمر محرمًا.

فرأيت أنها تارة تقوى علي بالترخص والتأويل، وتارة أقوى عليها بالمجاهدة والامتناع؛ فإذا ترخصت، لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظورًا، ثم أرى عاجلًا تأثير ذلك الفعل في القلب.

فلما لم آمن عليها التأويل، تفكرت في قطع طمعها من ذلك الأمر المؤثر، فلم أر ذلك إلا بأن قلت لها: قدري أن هذا الأمر مباح قطعًا، فوالله الذي لا إله إلا هو، لا عدت إليه. فانقطع طمعها باليمين والمعاهدة. وهذا أبلغ دواء وجدته في امتناعها؛ لأن تأويلها لا يبلغ إلى أن تأمر بالحنث والتكفير. فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن، وترك الترخص فيما يجوز، إذا كان حاملًا ومؤديًا إلى ما لا يجوز، والله الموفق.


١ رواه البخاري "٥٢"، ومسلم "١٥٥٩"، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

<<  <   >  >>