١٥٢٢- نظرت في حكمة المطعم والمشرب والملبس والمنكح؛ فرأيت أن الآدمي لما خلق من أصول تتحلل، وهي الماء والتراب والنار والهواء، وبقاؤه إنما يكون بالحرارة والرطوبة، [والحرارة تحلل الرطوبة] دائمًا؛ فلم يكن له بد من شيء يخلف ما بطل١، ولما كان اللحم لا ينوب عنه إلا اللحم؛ أباح الشرع ذبح الحيوان، ليتقوى به من هو أشرف منه.
ولما كان بدنه يحتاج إلى كسوة، وله قدرة تمييز، وقدرة يصنع بها ما يقيه الأذى من الفطن والصوف، لم يجعل على جلده ما يقيه خلقة؛ بخلاف الحيوان البهيم؛ فإنه لما لم يكن له قدرة على ما يغطي جلده، عوضه بالريش والشعر والوبر.
ولما لم يكن بد من فناء الآدمي والحيوان، هيج شهوة الجماع، لتخلف النسل؛ فمقتضى العقل الذي حرك على طلب هذه المصالح أن يكون التناول للمطعم والمشرب مقدار الحاجة والمصلحة، ليقع الالتذاذ بالعافية.
ومن البلية طلب الالتذاذ بالمطعم، وإن كان غير صالح، والإكثار منه، والشره في تناوله، وكذلك الكسوة والنكاح!
١٥٢٣- ومن الحزم جمع المال، وادخاره لعارض حاجة من ذلك، ومن التغفيل إنفاق الحاصل، فربما عرضت حاجة؛ فلم يقدر عليها، فأثر عدمها في البدن، أو في العرض بطلبها من الأنذال!
١٥٢٤- ومن أقبح الأمور الانهماك في النكاح طلبًا لصورة اللذة، ناسيًا ما يجني ذلك من انحلال القوة، ويزيد في الحرام بالعقوبة.
١٥٢٥- فمن مال إلى تدبير العقل سلم في دنياه وآخرته، ومن أعرض عن مشاورته أو عن القبول منه، تعجل عطبة. فليفهم مقصود الموضوعات وحكمها والمراد منها، فمن لم يفهم، ولم يعمل بمقتضى ما فهم، كان كأجهل العوام، وإن كان عالمًا.