للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٧- فصل: الشرع فيه الرخصة وفيه العزيمة

٣٠٢- ما زال جماعة من المتزهدين يزرون١ على كثير من العلماء إذا انبسطوا في مباحات، والذي يحملهم على هذا الجهل، فلو كان عندهم فضل علم، ما عابوهم، وهذا؛ لأن الطباع لا تتساوى؛ فرب شخص يصلح على خشونة العيش، وآخر لا يصلح على ذلك، ولا يجوز لأحد أن يحمل غيره على ما يطيقه هو، غير أن لنا ضابطًا -هو الشرع- فيه الرخصة، وفيه العزيمة، فلا ينبغي أن يلام من حصر نفسه في ذلك الضابط، ورب رخصة كانت أفضل من عزائم لتأثير نفعها.

٣٠٣ ولو علم المتزهدون أن العلم يوجب المعرفة بالله تعالى، فتنبت٢ القلوب من خوفه، وتنحل الأجسام للحذر منه؛ فوجب التلطف بالأجسام حفظًا لقوة الراحلة؛ ولأن آلة العلم والحفظ القلب والفكر، فإذا رفهت الآلة، جاد العمل.

وهذا أمر لا يعلم إلا بالعلم، فلجهل المتزهدين بالعلم أنكروا ما لم يعلموا، وظنوا أن المراد إتعاب الأبدان، وإنضاء٣ الرواحل، وما علموا أن الخوف المضني


١ يزرون: يعيبون.
٢ تنبت: تنقطع.
٣ إنقضاء الرواحل: إتعاب وإهزال الإبل التي تتخذ السفر.

<<  <   >  >>