١٣٩٠- رأيت أكثر العلماء يتشاغلون بصورة العلم، فهم الفقيه التدريس، وهم الواعظ الوعظ.
فهذا يراعي درسه؛ فيفرح بكثرة من يسمعه، ويقدح في كلام من يخالفه، ويمضي زمانه في التفكر في المناقضات، ليقهر من يجادله، وعينه إلى التصدر والارتفاع في المجالس، وربما كانت همته جمع الحطام ومخالطة السلاطين!.
والواعظ همته ما يزوق به كلامه، ويكثر [به] جمعه، ويجلب به قلوب الناس إلى تعظيمه، فإن كان له نظير في شغله، أخذ يطعن فيه.
وهذه قلوب غافلة عن الله عز وجل؛ إذ لو كانت لها به معرفة، لاشتغلت به، وكان أنسها بمناجاته، وإيثارها لطاعاته، وإقبالها على الخلوة به. لكنها لما خلت من هذا، تشاغلت بالدنيا، وذاك دنيا مثلها، فإذا خلت بخدمة الله تعالى، لم تجد لها طعمًا، وكان جمع الناس أحب إليها، وزيارة الخلق لها آثر عندها، وهذه علامة الخذلان.
١٣٩١- وعلى ضد هذا، متى كان العالم مقبلًا على الله سبحانه، مشغولًا بطاعته، كان أصعب الأشياء عند لقاء الخلق ومحادثتهم، وأحب الأشياء إليه الخلوة، وكان عنده شغل عن القدح في النظراء١، أو عن طلب الرئاسة، فإن ما علق به همته من الآخرة أعلى من ذلك.
١٣٩٢- والنفس لا بد لها مما تشاغل به، فمن اشتغل لخدمة الخلق، وأعرض عن الحق؛ فإنما يربي رئاسته، وذلك يوجب الإعراض عن الحق، و {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}[الأحزاب: ٤] .