للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢٩٣- فصل: الدنيا وضعت للبلاء

١٣١١- من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض، فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا، وسأل بلوغ عرض، تعبد الله بالداء: فإن أعطي مراده، شكر، وإن يلم ينل مراده، فلا ينبغي أن يلح في الطلب١؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] .

١٣١٢- ومن أعظم الجهل، أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب٢!!

وهذا كله دليل على جهله، وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة.

١٣١٣- ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر؟! هذا آدم، طاب عيشه في الجنة، وأخرج منها، ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده، والخليل ابتلي بالنار، وإسحاق٣ بالذبح، ويعقوب بفقد الولد، ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء، وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا، وأما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجوع والأذى وكدر العيش، فمعلوم.

١٣١٤- فالدنيا وضعت للبلاء. فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد، فلطف، وما لم يحصل، فعلى أصل الخلق والجبلة٤ للدنيا، كما قيل٥:

طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوًا من الأقذاء والأكدَارِ


١ الإلحاح في الدعاء مطلوب.
٢ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل بقول: دعوت فلم يستجب لي" البخاري "٦٣٤٠"، ومسلم "٢٧٣٥".
٣ هذا مخالف لما عليه جمهور أهل العلم. انظر: زاد المعاد "١/ ٧١-٧٥".
٤ الجبلة: الخلقة والسجية.
٥ هو الشاعر علي بن محمد التهامي، أبو الحسن، ولد باليمن، وقدم الشام ثم العراق، وامتدح الصاحب بن عباد، وذهب إلى مصر، فقتل سرًّا سنة "٤١٦هـ".

<<  <   >  >>