للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفاق؛ فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار، وبين الناس، ويبكي بالليل.

١٣٠٦- وقد رأيت من المتزهدين من يلزم المسجد ويصلي، فيجتمع الناس، فيصلون بصلاته ليلًا ونهارًا، وقد شاع هذا له، فتقوى نفسه عليه بحب المحمدة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة التطوع: "اجعلوا هذه في البيوت" ١.

١٣٠٧- وفي أصحابنا من يظهر الصوم الدائم، ويتقوت بقول الناس: فلان ما يفطر أصلًا!! وهذا الأبله ما يدري أنه لأجل الناس يفعل ذلك، لولا هذا، كان يفطر، والناس يرونه يومين أو ثلاثة، حتى يذهب عنه ذلك الاسم، ثم يعود إلى الصوم، وقد كان إبراهيم بن أدهم إذا مرض، يترك عنده من الطعام ما يأكله الأصحاء.

١٣٠٨- ورأيت في زهادنا من يصلي الفجر يوم الجمعة بالناس، ويقرأ المعوذتين، والمعنى: قد ختمت٢!! فإن هذه الأعمال هي صريحة في النفاق والرياء.

١٣٠٩- وفيهم من يأخذ الصدقات، وهو غني، ولا يبالي أخذ من الظلمة أو من أهل الخير، ويمشي إلى الأمراء يسألهم، وهو يدري من أين حصلت أموالهم.

فالله الله في إصلاح النيات، فإن جمهور هذه الأعمال مردود، قال مالك بن دينار: وقولًا لمن لم يكن صادقًا: لا يتعنى٣!

١٣١٠- وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه؛ فإنه متى لم يخلص، حرم محبة القلوب، ولم يلتفت إليه، والمخلص محبوب. فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه؛ لما فعل.

وكم رأينا من يلبس الصوف، ويظهر النسك، لا يلتفت إليه، وآخر يلبس جيد الثياب، ويبتسم، والقلوب تحبه. نسأل الله عز وجل إخلاصًا يخلصنا، ونستعيذ به من رياء يبطل أعمالنا، إنه قادر.


١ رواه البخاري "٤٣٢"، ومسلم "٧٧٧" عن ابن عمر رضي الله عنه.
٢ أي يوهم الناس أنه ختم القرآن كله في ليلة واحدة.
٣ لا يتعنى: لا يتعب نفسه فعمله محبط.

<<  <   >  >>