٧٦٤- تأملت أحوال الناس في حالة علو شأنهم، فرأيت أكثر الخلق تبين خسارتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشباب، ومنهم من فرط في اكتساب العلم، ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللذات: فكلهم نادم في حالة الكبر، حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوًى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات؛ فإن كانت للشيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت، قال: وا أسفا على ما جنيت! وإن لم يكن له إفاقة، صار متأسفًا على فوات ما كان يلتذ به.
٧٦٥- فأما من أنفق عصر الشباب في العلم؛ فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئًا بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم، هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأمل به إدارك المطلوب، وربما كانت تلك الأعمال أطيب مما نيل منها، كما قال الشاعر:
٧٦٦- ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه؛ إلا ما لو حصل لي، ندمت عليه.
ثم تأملت حالي، فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك؟! فقلت له: أيها الجاهل! تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدت إلى صديق.