١٣٩٣- قد جاء في الأثر: اللهم! أرنا الأشياء كما هي! وهذا كلام حسن غاية، وأكثر الناس لا يرون الأشياء بعينها، فإنهم يرون الفاني كأنه باق، ولا يكادون يتخايلون زوال ما هم فيه، وإن علموا ذلك؛ إلا أن عين الحس مشغولة بالنظر إلى الحاضر، ألا ترى زوال اللذة، وبقاء إثمها؟! ولو رأى اللص قطع يده، هان عنده المسروق.
فمن جمع الأموال، ولم ينفقها؛ فما رآها بعينها، إذ هي آلة لتحصيل الأغراض، لا تراد لذاتها.
ومن رأى المعصية بعيني الشهوة، فما رآها، إذ فيها من العيوب ما شئت، ثم ثمرتها عقوبة آجلة، وفضيحة عاجلة.
١٣٩٤- وانظر إلى أكبر شهوات الحس، وهو الوطء! فإن الماء لا يحصل إلا بعد مطعم ومشرب، ومن تفكر في المطعم، نظر إلى حرث الأرض، وأنها تفتقر إلى بقر للحراثة عليهم بالمحراث، وهو حديد، ومعه خشب، وتتعلق به حبال، فمن تفكر في عمل الحبال، نظر في زرع القنب وتسريحه وفتله، والحديد وجلبه وضربه، والخشب ونباته ونجارته، ودوران الدولاب وعمله، ثم استحصاد الزرع، وحصده، وتذريته، وطحنه، وعجنه، وخبزه، ومن عمل التنور، وجلب الشوك، ومن هذا الجنس إذا نظر فيه كثر جدًّا، حتى قالوا: لا تنال لقمة؛ إلا وقد عمل فيها ثلاث مائة نفس أو نحوهم؛ فإذا أكل تلك اللقمة، فليفكر في خلق الأسنان لقطعها، والأضراس لطحنها، وعذوبة ماء الفم لخلطها، واللسان ليقلبها، وعضلات الفم يصعد منها شيء، ويبقى شيء، حتى يصلح البلع، ثم يتناولها المعي، فيوصلها إلى الكبد، فيقوم طابخًا لها؛ فإذا صارت دمًا، نفت رسوبها إلى الطحال، ومائيتها إلى المثانة، واستخلصت من أخلص الدم وأصفاه للكبد والدماغ والقلب، وأخذت أجود ذلك، فحذرته إلى الأنثيين معدًّا لخلق آدمي.
فإذا تحركت نيران الشهوة، تدفقت تلك النطفة، وقد حكم الشرع بطهارتها،