للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢١٩- فأما بعدنا عن المعرفة الحقيقية، وضعف يقيننا بالناهي، وغلبة شهوتنا مع الغفلة، فيحتاج إلى جهاد أعظم من جهادهم.

تالله، لو ابتلي أحد المقربين بما ابتلينا به، لم يقدر على التماسك، يصبح أحدنا، وخطاب الشرع يقول له: اكسب لعائلتك، واحذر في كسبك! وقد تمكن منه ما ليس من فعله، كحب الأهل، وعلوق الولد بنياط القلب، واحتياج بدنه إلى ما لا بد منه.

فتارة يقال للخليل عليه السلام: اذبح ولدك بيدك! واقطع ثمرة فؤادك بكفك! ثم قم إلى المنجنيق لترمى في النار! وتارة يقال لموسى عليه السلام: صم شهرًا؛ ليلًا ونهارًا.

ثم يقال للغضبان: اكظم! وللبصير: اغضض! ولذي المقول: اصمت! ولمستلذ النوم: تهجد! ولمن مات حبيبه: اصبر! ولمن أصيب في بدنه: اشكر! وللواقف في الجهاد بين اثنين: لا يحل أن تفر!

ثم اعلم أن الموت يأتي بأصعب المرارات، فينزع الروح عن البدن، فإذا نزل، فاثبت! واعلم أنك ممزق في القبر، فلا تتسخط؛ لأنه مما يجري به القدر! وإن وقع بك مرض، فلا تشك إلى الخلق!

فهل للملائكة من هذه الأشياء شيء؟! وهل ثم إلا عبادة ساذجة: ليس فيها مقاومة طبع، ولا رَدُّ هَوًى؟! وهل هي إلا عبادة صورية بين ركوع وسجود وتسبيح؟! فأين عبادتهم المعنوية من عبادتنا؟!

٢٢٠- ثم أكثرهم في خدمتنا، بين كتبة علينا، ودافعين عنا، ومسخرين لإرسال الريح والمطر، وأكثر وظائفهم الاستغفار لنا. فكيف يفضلون علينا بلا علة ظاهرة؟!

٢٢١- وأما إذا ما حكت على محك التجارب طائفة منهم -مثل ماروي عن هاروت وماروت١-، خرجوا أقبح من بهرج٢.

٢٢٢- ولا تظنن أني أعتقد في تعبد الملائكة نوع تقصير؛ لأنهم شديدو


١ قصة هارون وماروت والزهرة قال عنها العلامة محدث الديار المصرية الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند "٦١٧٨"، ما خلاصته: طرقها واهية معلولة، مع مخالفتها الواضحة للعقل.
٢ البهرج: الزائف الفاسد.

<<  <   >  >>