للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليك! وما آنسني إذ أوحشتني من خلقك١!

آهٍ على زمانٍ ضاع في غير خدمتك! أَسَفًا لوقتٍ مضى في غير طاعتك.

٢٣٩- قد كنت إذا انتبهت وقت الفجر لا يؤلمني نومي طول الليل، وإذا انسلخ عني النهار لا يوجعني ضياع ذلك اليوم، وما علمت أن عدم الإحساس لقوة المرض. فالآن قد هبت نسائم العافية، فأحسست بالألم، فاستدللت على الصحة، فيا عظيم الإنعام! تَمِّمْ لي العافية.

٢٤٠- آهٍ من سكر لم يعلم قدر عربدته إلا في وقت الإفاقة! لقد فتقت ما يصعب رتقه، فوا أَسَفَا على بضاعة ضاعت، وعلى ملاح تعب في موج الشمال مصاعِدًا مدة، ثم غلبه النوم، فرد إلى مكانه الأول.

٢٤١- يا من يقرأ تحذيري من التخليط٢! فإني -وإن كنت خنت نفسي بالفعل- نصيح لإخواني بالقول:

احذروا -إخواني- من الترخص فيما لا يؤمن فساده؛ فإن الشيطان يزين المباح في أول مرتبة، ثم يجر إلى الجناح٢، فتلمحوا المآل، وافهموا الحال! وربما أراكم الغاية الصالحة، وكان في الطريق إليها نوع مخالفة!

فيكفي الاعتبار في تلك الحال بأبيكم: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: ١٢٠] ، إنما تأمل آدم الغاية -وهي الخلد- ولكنه غلط في الطريق.

٢٤٢- وهذا أعجب مصايد إبليس التي يصيد بها العلماء، يتأولون لعواقب المصالح، فيستعجلون ضرر المفاسد!!

مثاله: أن يقول للعالم: ادخل على هذا الظالم، فاشفع في مظلوم! فيستعجل الداخل رؤية المنكرات، ويتزلزل دينه، وربما وقع في شرك صار به أظلم من ذلك الظالم. فمن لم يثق بدينة، فليحذر من المصايد، فإنها خفية.


١ في الأصل: إذ أوحشتني بالتجارب لخلقك.
٢ التخليط: الجمع بين العمل الصالح والعمل الطالح.
٣ الجناح: الإثم.

<<  <   >  >>