للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا من قال: الحديث يقتضي كذا، ويحمل على كذا، مثل أن يقول: استوى على العرش بذاته، وينزل إلى السماء الدنيا بذاته، فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل.

٢٥٨- ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له: ابن عبد البر١، صنف كتاب التمهيد، فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا، فقال: هذا يدل على أن الله تعالى على العرش؛ لأنه لولا ذلك، لما كان لقوله: ينزل معنى. وهذا كلام جاهل٢ بمعرفة الله عز وجل؛ لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام، فقاس صفة الحق عليه٣، فأين هؤلاء واتباع الأثر؟! ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون، ثم عابوا المتكلمين.

٢٥٩- واعلم أيها الطالب للرشاد أنه قد سبق إلينا من العقل والنقل أصلان راسخان، عليهما أمر الأحاديث كلها:

أما النقل؛ فقوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] ، ومن فهم هذا، لم يحمل وصفًا له على ما يوجبه الحس.

وأما العقل، فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات، واستدل على حدوثها بتغيرها، ودخول الانفعال عليها، فثبت له قدم الصانع٤.

٢٦٠- واعجَبًا كل العجب من رَادٍّ لم يفهم طبيعة الكلام! أليس في الحديث


١ يوسف بن عبد الله التمري القرطبي، أبو عمرو، من كبار حفاظ الحديث، ومؤرخ وأديب، ولد بقرطبة سنة "٣٦٨هـ"، وتوفي بشاطبة "٤٦٣هـ".
٢ كلام العلماء في حق بعضهم بعضًا لا يلتفت إليه، ولا ينزل بمرتبتهم، ويسمى عند العلماء كلام الأقران.
٣ أثبت الله تعالى لنفسه النزول، وأثبت النزول للمخلوق، والفرق بين نزول الخالق ونزول المخلوق، كالفرق بين الخالق والمخلوق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] .
٤ صفات الله توقيفية، ولم يأت وصف الله تعالى بالقدم في شيء نصوص الكتاب والسنة.

<<  <   >  >>