للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النساء، فيعطلون على ذلك الأجرة، ولو أنهم أمروا بالصبر، لم ترد النسوة ذلك! وهذه أضداد للشرع. قال ابن عقيل: حضرنا عزاء رجل قد مات له ولد، فقرأ المقرئ: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: ٨٤] ، فقلت له: هذه نياحة بالقرآن!

٣١٣- وفي الوعّاظ من يتكلم على طريق المعرفة والمحبة، فترى الحائك والسوقي الذي لا يعرف فرائض تلك الصلاة يمزق أثوابه، دعوة لمحبة الله تعالى!! والضافي حالًا منهم -وهو أصلحهم- يتخايل بوهمه شخصًا هو الخالق، فيبكيه شوقه إليه، لما يسمع من عظمته ورحمته وجماله. وليس ما يتخايلونه المعبود؛ لأن المعبود لا يقع في خيال.

٣١٤- وبعد هذا، فالتحقيق١ مع العوام صعب، ولا يكادون ينتفعون بمر الحق؛ إلا أن الواعظ مأمور بأن لا يتعدى الصواب، ولا يتعرض لما يفسدهم، بل يجذبهم إلى ما يصلح بألطف وجه، وهذا يحتاج إلى صناعة، فإن من العوام من يعجبه حسن اللفظ، ومنهم من يعجبه الإشارة، ومنهم من ينقاد ببيت من الشعر.

٣١٥- وأحوج الناس إلى البلاغة الواعظ، ليجمع مطالبهم؛ لكنه ينبغي أن ينظر في اللازم الجواب، وأن يعطيهم من المباح في اللفظ قدر الملح في الطعام، ثم يجتذبهم إلى العزائم، ويعرفهم الطريق الحق.

٣١٦- وقد حضر أحمد بن حنبل، فسمع كلام الحارث المحاسبي٢، فبكى، ثم قال: لا يعجبني الحضور. وإنما بكى؛ لأن الحال أوجبت البكاء.

٣١٧- وقد كان جماعة من السلف يرون تخليط القصاص، فينهون عن الحضور عندهم، وهذا على الإطلاق لا يحسن اليوم؛ لأنه كان الناس في ذلك الزمان متشاغلين بالعلم، فرأوا حضور القصص صادًّا لهم، واليوم كثر الإعراض عن العلم، فأنفع ما للعامي مجلس الوعظ، يرده عن ذنب، ويحركه إلى توبة؛ وإنما الخلل في القاص، فليتق الله عز وجل.


١ التحقيق: أي تفصيل المسائل وبيان الوجوه.
٢ الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله، من كبار الصوفية، كان عالمًا بالأصول والمعاملات، واعظًا مبكيًا، ولد بالبصرة، وتوفي ببغداد سنة "٢٤٣هـ".

<<  <   >  >>