الباحث عن القدر إذا بلغ فهمه إلى أن يقول: قضى وعاقب، تزلزل إيمانه بالعدل، وإن قال: لم يقدر، ولم يقض، تزلزل إيمانه بالقدرة والملك، فكان الأولى ترك الخوض في هذه الأشياء.
٣٢٦- ولعل قائلًا يقول: هذا منع لنا عن الاطلاع على الحقائق، وأمر بالوقوف مع التقليد! فأقول: لا، إنما أعلمك أن المراد منك الإيمان بالجمل، وما أمرت بالتنقير "لمعرفة الكنه"، مع أن قوى فهمك تعجز عن إدراك الحقائق.
فإن الخليل عليه الصلاة والسلام قال:{أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}[البقرة: ٢٦٠] . فأراه مَيْتًا أحيي، ولم يره كيف أحياه؛ لأن قواه تعجز عن إدراك ذلك.
٣٢٧- وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الذي بعث ليبين للناس ما نزل إليهم- يقنع من الناس بنفس الإقرار، واعتقاد الجمل.
٣٢٨- وكذلك كانت الصحابة، فما نقل عنهم أنهم تكلموا في تلاوة ومتلو، وقراءة ومقروء، ولا أنهم قالوا: استوى بمعنى استولى! وينزل بمعنى يرحم! بل قنعوا بإثبات الجمل التي تثبت التعظيم عند النفوس، وكفوا كف الخيال بقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] .
٣٢٩- ثم هذا منكر ونكير، إنما يسألان عن الأصول المجملة، فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن فهم هذا الفصل، سليم من تشبيه المجسمة، وتعطيل المعطلة، ووقف على جادة السلف الأول. والله الموفق.