للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا١ مؤدب المعتضد٢، وابن قتيبة صدر كتابه بمدح الوزير "ابن خاقان"٣.

٥١٩- وما زال خلف من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم، وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقًا من التأويل؛ فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا.

٥٢٠- وقد رأينا جماعة من المتصوفة والعلماء يغشون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم، فمنهم: من يداهن ويرائي، ومنهم: من يمدح بما لا يجوز، ومنهم: من يسكت عن منكرات، إلى غير ذلك من المداهنات، وسببها الفقر، فعلمنا أن كمال العز، وبعد الرياء، إنما يكون في البعد عن العمال الظلمة.

٥٢١- ولم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين:

أما من كان له مال: كسعيد بن المسيب، كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري، كانت له بضائع، وابن المبارك٤.

وأما من كان شديد الصبر، قنوعًا بما رزق، وإن لم يكفه، كبشر الحافي، وأحمد بن حنبل. ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين، ولا كمال أولئك؛ فالظاهر تقلبه في المحن والآفات، وربما تلف دينه.

٥٢٢- فعليك -ياطالب العلم- بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس؛ فإنه يجمع لك دينك! فما رأينا في الأغلب منافقًا في التدين والتزهد والتخشع ولا آفة طرأت على عالم، إلا بحب الدنيا، وغالب ذلك الفقر. فإن كان من له مال يكفيه، ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة، فذلك معدود في أهل الشره، خارج عن حيز العلماء، نعوذ بالله من تلك الأحوال.


١ عبد الله بن محمد البغدادي، القرشي صاحب التصانيف "٢٠٨-٢٨١هـ"، وكان مؤدبًا لغير واحد من أبناء الخلفاء.
٢ أحمد بن الموفق بالله بن المتوكل بن المعتصم الخليفة العباسي "٢٤٢-٢٨٩هـ".
٣ الكتاب هو أدب الكاتب، والوزير هو أبو الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان "٢٠٩-٢٦٣هـ". والزيادة للتوضيح.
٤ عبد الله بن المبارك، بن واضح الحنظلي التميمي المروزي، أبو عبد الرحمن "١١٨-١٨١هـ"، الحافظ شيخ الإسلام، المجاهد الزاهد، العابد الإمام.

<<  <   >  >>