٥٦١- وإنما العاقل هو الذي يستر نفسه بين الناس بثوب وَسَطٍ، لا يخرجه من أهل الخير، ولا يدخله في زي أهل الفاقة، فإن قويت عزيمته، عمل في بيته ما يطيق، وترك ثوب التجمل لستر الحال، ولم يظهر شيئًا للخلق؛ فإنه أبعد من الرياء، وأسلم من الفضيحة.
٥٦٢- وفي الناس من غلب عليه قصر الأمل، وذكر الآخرة، حتى دفن كتب العلم! وهذا الفعل عندي من أعظم الخطإ وإن كان منقولًا عن جماعة من الكبار! ولقد ذكرت هذا لبعض مشايخنا؟ فقال: أخطؤوا كلهم، وقد تأولت لبعضهم بأنه كان فيها أحاديث عن قوم ضعفاء، ولم يميزوها، كما روي عن سفيان في دفن كتبه، أو كان فيها شيء من الرأي، فلم يحبوا أن يؤخذ عنهم، فكان من جنس تحريق عثمان بن عفان رضي الله عنه للمصاحف، لئلا يؤخذ بشيء مما فيها من المجمع على غيره. وهذا التأويل يصح في حق علمائهم.
فأما غسل أحمد بن أبي الحواري كتبه وابن أسباط، فتفريط محض. فالحذر الحذر من فعل يمنع منه الشرع، أو من ارتكاب ما يظن عزيمة، وهو خطيئة، أو من إظهار ما لا يقوى عليه المظهر فيرجع القهقري. و "عليكم من العمل بما تطيقون"١، كما قال صلى الله عليه وسلم.
١ رواه البخاري "٤٣"، ومسلم "٧٨٥"، عن عائشة رضي الله عنها.