للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٦٤- فالدنيا محبوبة للطبع، لا ريب في ذلك، ولا أنكر على طالبها ومؤثر شهواتها، ولكن ينبغي له أن ينظر في كسبها، ويعلم وجه أخذها، لتسلم له عاقبة لذته، وإلا، فلا خير في لذة من بعدها النار.

٥٦٥- وهل عد في العقلاء قط من قيل له: اجلس في المملكة سنةً، ثم نقتلك؟! هيهات، بل الأمر بالعكس، وهو أن العاقل من صابر مرارة الجهد سنة، بل سنين، ليستريح في عاقبته، وفي الجملة: أف للذةٍ أعقبت عقوبةً!

٥٦٦- وقد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب١، قال: أخبرنا الحسن بن أبي طالب، قال: حدثنا يوسف بن عمر القواس، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل إملاء، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثنا محمد بن مسلمة البلخي، قال: حدثنا محمد بن علي القوهستاني، قال: حدثنا دلف بن أبي دلف٢، قال: رأيت كأن آتيًا أتى بعد موت أبي، فقال: أجب الأمير! فقمت معه، فأدخلني دار وحشة، وعرة، سوداء الحيطان، مقلعة السقوف والأبواب، ثم أصعدني درجًا فيها، ثم أدخلني غرفة، فإذا في حيطانها أثر النيران، وإذا في أرضها أثر الرماد، وإذا أبي عريان واضعًا رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دُلَفٌ؟ قلت: نعم، أصلح الله الأمير. فأنشأ يقول:

أبلغن أهلنا ولا تخف عنهمْ ... ما لقينا في البرزح الخفاقِ

قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا ... فارحموا وحشتي وما قد ألاقِي

أفهمت؟ قلت: نعم. فأنشأ يقول:

فلو أنا إذا متنا تركْنَا ... لكان الموت راحة كل حيِّ

ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شيِّ


١ أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبو بكر الخطيب "٣٩٢-٤٦٣ هـ" أحد الحفاظ المؤرخين الكبار صاحب تاريخ بغداد.
٢ وأبو دلف، هو القاسم بن عيسى العجلي الأمير، أمير الكوخ، سيد قومه، وأحد الأمراء الأجواد الشجعان الشعراء، توفي سنة "٢٢٦هـ".

<<  <   >  >>