للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٤٨- يا أرباب المعاملة! بالله عليكم، لا تكدروا المشرب! قفوا على باب المراقبة وقوف الحراس! وادفعوا ما لا يصلح أن يلج فيفسد! واهجروا أغراضكم لتحصيل محبوب الحبيب، فإن أغراضكم تحصل، على أنني أقول: أُفٍّ لمن ترك بقصد الجزاء! أهذا شرط العبودية؟! كلا، إنما ينبغي لي إذا كنت مملوكًا أن أفعل ليرضى لا لأعطى، فإن كنت محبًّا، رأيت قطع الآراب١ في رضاه وصلًا.

٦٤٩- اقبل نصحي يا مخدوعًا بغرضه!

إن ضعفت عن حمل بلائه٢، فاستغث به، وإن آلمك كرب اختياره، فإنك بين يديه، ولا تيأس من روحه، وإن قوي خناق البلاء. بالله، إن موت الخادم في الخدمة حسن عند العقلاء.

٦٥٠- إخواني! لنفسي أقول، فمن له شرب٣ معي، فليرد:

أيتها النفس! لقد أعطاك ما لم تؤملي وبلغك ما لم تطلبي، وستر عليك من قبيحك ما لو فاح، ضجت المشام٤! فما هذا الضجيج من فوات كمال الأغراض؟! أمملوكة أنت أم حرة؟! أما علمت أنك في دار التكليف؟!

وهذا الخطاب ينبغي أن يكون للجهال، فأين دعواك المعرفة؟! أتراه لو هبت نفحة فأخذت البصر، كيف كانت تطيب لك الدنيا؟! وَا أَسَفَا عليك! لقد عشيت البصيرة التي هي أشرف، وما علمت كم أقول: عسى ولعل؟ وأنت في الخطإ إلى قدام.

قربت سفينة العمر من ساحل القبر، وما لك في المركب بضاعة تربح. تلاعبت في بحر العمر ريح الضعف، ففرقت تلفيق القوى، وكأن قد فصلت المركب٥.

بلغت نهاية الأجل، وعين هواك تتلفت إلى الصبا. بالله عليك، لا تشمتي بك الأعداء! هذا أقل الأقسام، وأوفى منها أن أقول: بالله عليك، لا يفوتنك قدم سابق مع قدرتك على قطع المضمار.


١ الآراب: الحوائج.
٢ في الأصل: بلوائه.
٣ شرب: النصيب من الشراب.
٤ المشام: الأنوف.
٥ رمز لانقضاء العمر.

<<  <   >  >>