للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي يده رغيف يأكله، فجازت خيل وأموال، فقال: لمن هذه؟ فقيل: لفلان الخادم١. ثم جازت خيل وأموال، فقال: لمن هذه؟ فقيل: لفلان الخادم، فلما مر الخادم، رأى شخصًا محتقرًا، فرمى الرغيف إلى ناحيته، وقال: وهذا لفلان! ما هذه القسمة؟!

٦٩٨- ولو فكر المعترض٢، لبانت له وجوه، أقلها: جهله بمن يدعي معرفته، وقلة تعظيمه له، وذلك يوجب عليه أشد مما كان فيه من تضييق العيش؛ ولكنه ميراث إبليس، حيث اعتقد سوء التدبير في تفضيل آدم عليه السلام. فالعجب من تلميذ يتعالم على أستاذه، ومن مملوك يتيه على سيده!

٦٩٩- ومما ينبغي أن يتبع فيه الدليل، ولا يلتفت إلى ما جنت الحال: أن العلم أشرف مكتسب. وقد رأى جماعة من الجهلة قلة حظوظ العلماء من الدنيا، فأزروا على العلم، وقالوا: لا فائدة فيه! وذلك لجهلهم بمقدار العلم، فإن تابع الدليل لا يبالي ما جنى؛ وإنما يبين الاختبار بفقد الغرض.

ولو لم يكن من الدليل على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم إلا إعراضه عن الدنيا، وتضييق العيش عليه، ثم لم يخلف شيئًا، وحرم أهله الميراث، لكفاه ذلك دليلًا على صدق طلبه لمطلوب آخر.

٧٠٠- وربما رأى الجاهل قومًا من العلماء يفعلون خطيئة، فيزري٣ على العلم، ويدعيه ناقصًا، وهذا غلط كبير. فليتق الله العاقل، وليعمل بمقتضى العقل فيما يأمر به من طاعة الله تعالى والعمل بالعلم، وليعلم أن الابتلاء في الصبر على فوات المطلوبات، وليلزم اتباع الدليل، وإن جنى مكروها، والله الموفق.


١ هو، على بن بلتق خادم الخليفة. انظر: الخبر نفسه في الفصل "٣٥٨".
٢ في الأصل: المدبر.
٣ في الأصل: فيزدري.

<<  <   >  >>