يأكلها؛ قل عندهم، وإن كان مباحًا، فيصير بمثابة تخليط الطبيب الآمر بالحمية.
فلا ينبغي للعالم أن ينبسط عند العوام، حفظًا لهم، ومتى أراد مباحًا؛ فليستتر به عنهم.
٧٥٧- وهذا القدر الذي لاحظه أبو عبيدة حين رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد قدم الشام راكبًا على حمار، ورجلاه من جانب، فقال: يا أمير المؤمنين! يتلقاك عظماء الناس! فما أحسن ما لاحظ! إلا أن عمر رضي الله عنه أراد تأديب أبي عبيدة بحفظ الأصل؛ فقال: إن الله أعزكم بالإسلام، فمهما طلبتم العز في غيره، أذلكم.
والمعنى: ينبغي أن يكون طلبكم العز بالدين، لا بصور الأفعال.
٧٥٨- وإن كانت الصور تلاحظ، فإن الإنسان يخلو في بيته عريانًا، فإذا خرج إلى الناس، لبس ثوبين وعمامة ورداء. ومثل هذا لا يكون تصنعًا، ولا ينسب إلى كبر. وقد كان مالك بن أنس يغتسل، ويتطيب، ويقعد للحديث.
٧٥٩- ولا تلتفت -يا هذا- إلى ما ترى من بذل العلماء على أبواب السلاطين؛ فإن العزلة أصون للعالم والعلم، وما يخسره العلماء في ذلك أضعاف ما يربحونه. وقد كان سيد الفقهاء سعيد بن المسيب لا يغشى الولاة، وعن قول هذا سكتوا عنه، وهذا فعل الحازم.
٧٦٠- فإن أردت اللذة والراحة؛ فعليك أيها العالم بعقر بيتك، وكن معتزلًا عن أهلك، يطب لك عيشك، واجعل للقاء الأهل وقتًا، فإذا عرفوه، تصنعوا للقائك، فكانت المعاشرة بذلك أجود.
٧٦١- وليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه، وتحادث سطور كتبك، وتجري في حلبات فكرك! واحترس من لقاء الخلق، وخصوصًا العوام! واجتهد في كسب يعفك عن الطمع! فهذه نهاية لذة العالم في الدنيا.
٧٦٢- وقد قيل لابن المبارك: ما لك لا تجالسنا؟ فقال: أنا أذهب فأجالس الصحابة والتابعين. وأشار بذلك إلى أنه ينظر في كتبه.
٧٦٣- ومتى رزق العالم الغنى عن الناس والحلوة؛ فإن كان له فهم يجلب