للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧٧٢- وهذا أمر شديد الخفاء، فينبغي أن يوضح: وهو أن المملوك مملول، ومتى قدر الإنسان على ما يشتهيه، مله ومال إلى غيره: تارة لبيان عيوبه، التي تكشفها المخالطة؛ فإنه قد قال الحكماء: العشق يعمي من عيوب المحبوب. وتارة لمكان القدرة عليه، والنفس لا تزال تتطلع إلى ما لا تقدر عليه.

٧٧٣- ثم لو قدرنا دوام المحبة مع القدرة؛ فإنها قد تكون، ولكن ناقصة بمقدار، وإنما يقويها تجني المحبوب، فيكون تجنيه كالامتناع، أو امتناعه من الموافقة. فإذا صفا، فلا بد من أكدار: منها الحذر عليه، ومنها قلة ميله إلى هذا العاشق، وربما يتكلف القرب منه، ويعلم الإنسان بقلة ميل محبوبه إليه، فينغص١، بل يبغض. فإن خاف منه خيانة، احتاج إلى حراسة، فقويت النغص.

٧٧٤- وأصلح المقامات التوسط، وهو اختيار ما تميل النفس إليه، ولا يرتقي إلى مقام العشق، فإن العاشق في عذاب، وإنما يتخايل٢ الفارغ من العشق التذاذ العاشق، وليس كذلك، فإنه كما قيل:

وما في الأرض أشقى من محبٍّ ... وإن وجد الهوى عذب المذاقِ

تراه باكيًا في كل وقتٍ ... مخافة فرقة أو لاشتياقِ

فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراقِ

فتسخن عينه عند التدانِي ... وتسخن عينه عند الفراقِ


١ "ينغص": يتكدر، و "النغص": الكدورات.
٢ يتخايل: يتخيل: يتصور في خياله.

<<  <   >  >>