للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحدٍ، ولا يبالون بالنقص فيما هو أهم. قال الرَّضِيُّ١:

ولكل جسم في النحول بلية ... وبلاء جسمي من تفاوت همتِي

فنظرت، فإذا غاية أمله الإمارة.

٧٧٧- وكان أبو مسلم الخراساني٢ في حال شبيبته لا يكاد ينام، فقيل له في ذلك؟ فقال: ذهن صاف، وهم بعيد، ونفس تتوق إلى معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج الرعاع! قيل: فما الذي يبرد غليلك؟ قال: الظفر بالملك. قيل: فاطلبه. قال: لا يطلب إلا بالأهوال. قيل: فاركب الأهوال. قال: العقل مانع. قيل: فما تصنع؟ قال: سأجعل من عقلي جهلًا، وأحوال به خطرًا، لا ينال إلا بالجهل، وأدبر بالعقل ما لا يحفظ إلا به، فإن الخمول أخو العدم.

فنظرت إلى حال هذا المسكين، فإذا هو قد ضيع أهم المهمات، وهو جانب الآخرة، وانتصب في طلب الولايات، فكم فتك وقتل حتى نال بعض مراده من لذات الدنيا! ثم اغتيل، ونسي تدبير العقل، فقتل، ومضى إلى الآخرة على أقبح حال.

٧٧٨- وكان المتنبي٣ يقول:

وفي الناس من يرضى بميسور عيشه ... ومركوبه رجلاه والثوب جلده

ولكن قلبًا بين جنبيَّ ما له ... مدًى ينتهي بي في مراد أحده

يرى جسمه يسكى شفوفًا تربه ... فيختار أن يكسى دروعًا تهده

فتأملت هذا الآخر، فإذا نهمته٤ فيما يتعلق بالدنيا فحسب.

٧٧٩- ونظرت إلى علو همتي، فرأيتها عجبًا، وذلك أنني أروم٥ من العلم ما


١ الشريف محمد بن طاهر الحسيني، أبو الحسن "٣٥٩-٤٠٦هـ": أشعر الطالبين، وأرق الشعراء غزل، له ديوان شعر كبير، وهو مؤلف كتاب "نهج البلاغة" المنسوب إلى علي رضي الله عنه، ولم أجد البيت في ديوانه.
٢ عبد الرحمن بن مسلم، صاحب الدعوة العباسية في خراسان، وهازم جيوش الأمويين، قتله المنصور سنة "١٣٧هـ" لما استفحل أمره، وأصبح خطرًا على دولته.
٣ ديوانه ص "٤٥١".
٤ نهمته: طلبه وشغفه.
٥ أروم: أريد وأطلب.

<<  <   >  >>