للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨٣٤- وإن الشيطان ليتجافاهم خوفًا منهم، فإنهم يقدرون على أذاه، وهو لا يقدر على أذاهم.

ولقد تلاعب بأهل الجهل والقليلي الفهم، وكان من أعجب تلاعبه أن حسن لأقوام ترك العلم، ثم لم يقنعوا بهذا حتى قدحوا في المتشاغلين به، وهذا -لو فهموه- قدح في الشريعة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بلغو عني"١، وقد قال له ربه عز وجل: {بَلِّغْ} [المائدة: ٦٧] ، فإذا لم يتشاغل بالعلم، فكيف يبلغ الشريعة إلى الخلق؟!

٨٣٥- ولقد نقل مثل هذا عن كبار الزهاد، كبشر الحافي! فإنه قال لعباس بن عبد العظيم: لا تجالس أصحاب الحديث٢. وقال لإسحاق بن الضيف٣: إنك صاحب حديث، فأحب أن لا تعود إلي. ثم اعتذر، فقال: إنما الحديث فتنة إلا لمن أراد الله به، وإذا لم يعمل به، فتركه أفضل.

وهذا عجب منه! من أين له أن طلابه لا يريدون الله به، وأنهم لا يعملون به؟! أو ليس العمل به على ضربين: عمل بما يجب، وذلك لا يسع أحدًا تركه. والثاني: نافلة، ولا يلزم، والتشاغل بالحديث أفضل من التنفل بالصوم والصلاة. وما أظنه أراد إلا طريقة في دوام الجوع والتهجد، وذلك شيء لا يلام تاركه.

فإن كان يريد أن لا يوغل في علوم الحديث، فهذا خطأ؛ لأن جميع أقسامه محمودة. أفترى لو ترك الناس طلب الحديث، كان بشر يفتي؟! فالله الله في الالتفات إلى قول من ليس بفقيه، ولا يهولنك تعظيم اسمه، فالله يعفو عنه.


١ رواه البخاري "٣٤٦١" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
٢ عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري البصري، كان ثقةً مأمومًا، توفي سنة "٢٤٦هـ".
٣ هو إسحاق بن الضيف الباهلي، أبو يعقوب العسكري البصري، نزيل مصر. ذكره ابن حبان في الثقات، ترجمته في التهذيب "٤٤٣".

<<  <   >  >>