للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جانب المخلوقين، ويضيع حق الخالق، يقلب الله قلب الذي قصد أن يرضيه، فيسخطه عليه.

٨٣٧- قال المأمون١ لبعض أصحابه: لا تعص الله بطاعتي، فيسلطني عليك.

٨٣٨- ولما بالغ طاهر بن الحسين فيما فعل بالأمين٢، وفتك به، وصلب رأسه، وإن كان ذلك عن إرادة المأمون؛ ولكن بقي أثر ذلك في قلبه، فكان المأمون لا يقدر أن يراه.

ولقد دخل عليه يومًا، فبكى المأمون، فقال له طاهر: لم تبكي -لا أبكى الله عينك- فلقد دانت لك البلاد؟ فقال: أبكي لأمر ذكره ذل، وسره حزن، ولن يخلو أحد من شجن. فلما خرج طاهر، أنفذ إلى حسين الخادم مائتي ألف درهم، وسأله أن يسأل المأمون: لم بكى؟

فلما تغدى المأمون، قال: يا حسين! اسقني. قال: لا والله، لا أسقيك حتى تقول لم بكيت حين دخل عليك طاهر؟ قال: يا حسين! وكيف عنيت بهذا حتى سألت عنه؟ قال: لغمي بذلك. قال: يا حسين! أمر: إن خرج من رأسك، قتلتك.

قال: ياسيدي! ومتى أخرجت لك سرًّا؟ قال: إني ذكرت أخي محمدًا، وما ناله من الذلة، فخنقتني العبرة، فاسترحت إلى إفاضتها، ولن يفوت طاهرًا مني ما يكره.

فأخبر حسين طاهرًا بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد، فقال له: إن المعروف عندي ليس بضائع، فغيبني عن عينه، قال: سأفعل. فدخل على المأمون، فقال: ما بت البارحة. قال: ولم؟ قال: لأنك وليت غسان بن عباد خراسان، وهو ومن معه أكلة رأس، فأخاف أن يخرج خارج من الترك فيصطلمه٣. قال: فمن ترى؟ قال: طاهر بن الحسين، فعقد له، فمضى.


١ عبد الله بن هارون الرشيد، سابع الخلفاء العباسيين "١٧٠-٢١٨هـ".
٢ محمد بن هارون الرشيد، وأمه زبيدة "١٧٠-١٩٨هـ" الخليفة السادس من خلفاء بني العباس خلع أخاه من ولاية العهد فاقتتلا، وحدثت فتنة عظيمة انتهت بمقتله.
٣ يصطلمه: يستأصله.

<<  <   >  >>