للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨٨١- فالعاقل من فهم مقادير الزمان؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي، ليس على عمره عيار١، إلا أن يرزق فطنة، ففي بعض الصبيان فطنة تحثهم من الصغر على اكتساب المكارم والعلوم.

فإذا بلغ، فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد، فهو زمان الكسب للمعاملة، فإذا بلغ الأربعين، انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن.

كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ

فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه، ويأخذ في الاستعداد للرحيل، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير.

٨٨٢- فإذا بلغ الستين؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل، وجاز من الزمن٢، فليقبل بكليته على جمع زاده، وتهيئة٣ آلات السفر، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة٤ ما هي في الحساب، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد، فإنه لا محرك كهو٥. وكلما علت سنه، فينبغي أن يزيد اجتهاده.

٨٨٣- فإذا دخل في عشر الثمانين، ليس إلا الوداع، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط، أو تعبد على ضعف.

نسأل الله عز وجل يقظة تامة، تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال. والله الموفق.


١ العيار: الوزن أو الكيل.
٢ مضى من العمر أكثره.
٣ في الأصل: تهييئ.
٤ في الأصل: لغنيمة.
٥ أي: كالضعف.

<<  <   >  >>