للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحبوب، وربما آل إلى الفقر. وكذلك الشجاعة؛ فإنها لا تحصل إلا بالمخاطرة بالنفس. قال الشاعر١:

لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قَتَّالُ

٨٩٤- ومن هذا الفن تحصيل الثواب في الآخرة؛ فإنه يزيد على قوة الاجتهاد والتعبد، أو على قدر وقع المبذول من المال في النفس، أو على قدر الصبر على فقد المحبوب، ومنع النفس من الجزع.

وكذلك الزهد، يحتاج إلى صبر عن الهوى. والعفاف لا يكون إلا بكف كف الشره. ولولا ما عانى يوسف عليه السلام، ما قيل له: {أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف:٤٦] .

٨٩٥- ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كل علم، ويجتهدون في كل عمل، ويثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك، قامت النيات نائبة، وهم لها سابقون. وأكمل أحوالهم إعراضهم عن أعمالهم؛ فهم يحتقرونها مع التمام، ويعتذرون من التقصير. ومنهم من يزيد على هذا، فيتشاغل بالشكر على التوفيق لذلك. ومنهم من لا يرى ما عمل أصلًا؛ لأنه يرى نفسه وعمله لسيده.

٨٩٦- وبالعكس من المذكور من أرباب الاجتهاد حال أهل الكسل والشره والشهوات، فلئن التذوا بعاجل الراحة، لقد أوجبت ما يزيد على كل تعب من الأسف والحسرة. ومن تلمح صبر يوسف عليه السلام، وعجلة ماعز٢، بان له الفرق، وفهم الريح من الخسران! ولقد تأملت نيل الدر من البحر، فرأيته بعد معاناة الشدائد. ومن تفكر فيما ذكرته مثلًا، بانت له أمثال.

٨٩٧- فالموفق من تلمح قصر الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء


١ أبو الطيب المتنبي، ديوانه ص "٥٠٥".
٢ ماعز بن مالك الأسلمي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائبًا معترفًا بذنبه، فأقام عليه النبي صلى الله عليه وسلم الحد وقال: "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم". انظر: خبره في البخاري "٢١-٢٩"، ومسلم "١٦٩١-١٦٩٥".

<<  <   >  >>