السفينة الصحيحة، وقتل الغلام الجميل، فلما بين له الخضر وجه الحكمة، أذعن. فلنكن مع الخالق كموسى مع الخضر.
٩١٣- أولسنا نرى المائدة المستحسنة بما عليها من فنون الطعام النظيف الظريف يقطع ويمضغ، "ويصير إلى ما نعلم"، ولسنا نملك ترك تلك الأفعال، ولا تنكر الإفساد له، لعلمنا بالمصلحة الباطنة فيه.
فما المانع أن يكون فعل الحق سبحانه له باطن لا نعلمه؟!
٩١٤- ومن أجهل الجهال العبد المملوك إذا طلب أن يطلع على سر مولاه، فإن فرضه التسليم لا الاعتراض. ولو لم يكن في الابتلاء بما تنكره الطباع إلا أن يقصد إذعان العقل وتسليمه، لكفى.
٩١٥- ولقد تأملت حالة عجيبة، يجوز أن يكون المقصود بالموت هي، وذلك أن الخالق سبحانه في غيب لا يدركه الإحساس، فلو أنه لم ينقض هذه البينة، لتخايل للإنسان أنه صنع لا بصانع، فإذا وقع الموت، عرفت النفس نفسها، التي كانت لا تعرفها، لكونها في الجسد، وتدرك عجائب الأور بعد رحيلها، فإذا ردت إلى البدن، عرفت ضرورة أنها مخلوقة لمن أعادها، وتذكرت حالها في الدنيا -فإن الأفكار تعاد كما تعاد الأبدان-، فيقول قائلهم:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور: ٢٦] ، ومتى رأت ما قد وعدت به من أمور الآخرة، أيقنت يقينًا لا شك معه -ولا يحصل هذا بإعادة ميت سواها؛ وإنما يحصل برؤية هذا الأمر فيها-، فتبنى بنية تقبل البقاء، وتسكن جنة لا ينقضي دوامها، فيصلح بذلك اليقين أن تجاور الحق؛ لأنها آمنت بما وعد، وصبرت بما ابتلى، وسلمت لأقداره، فلم تعترض، ورأت في غيرها العبر، ثم في نفسها، فهذه هي التي يقال لها:{ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}[الفجر] .
٩١٦- فأما الشاك والكافر، فيحق لهما الدخول إلى النار، واللبث فيها؛ لأنهما رأيا الأدلة، ولم يستفيدَا، ونازعا الحكيم، واعترضا عليه، فعاد شؤم كفرهما يطمس قلوبهما، فبقيت على ما كانت عليه، فلما لم تنتفع بالدليل في الدنيا، لم