للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحان الله! ما يزهد إلا الثياب! أترى ما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"١؟!

٩٢٧- وأعوذ بالله من رؤية النفس ورؤية الخلق: فإن من رأى نفسه، تكبر، والمتكبر أحمق؛ لأنه ما من شيء يتكبر به إلا ولغيره أكثر منه. ومن راءى الخلق، عبدهم وهو لا يعلم!

٩٢٨- فأما العامل لله سبحانة وتعالى، فهو بعيد من الخلق؛ فإن تقربوا إليه، ستر حاله بما يوجب بعدهم عنه.

٩٢٩- وقد رأينا من يرائي ولا يدري، فيمتنع من المشي في السوق، ومن زيارة الإخوان، ومن أن يشتري شيئًا بنفسه! وتوهمه نفسه أني أكره مخالطة السوقة!! وإنما هذا يربي جاهًا بين العلماء، إذ لو خالطهم، لامتُحِي جاهه، وبطل تقبيل يده!

٩٣٠- وقد كان بشر الحافي يجلس في مجلس عند العطار، وأبلغ من هذا كله أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يشتري حاجته ويحملها.

وخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين إلى السوق، فاشترى ثوبًا.

٩٣١- وقد كان طلحة بن مصرف قارئ أهل الكوفة؛ فلما كثر الناس عليه، مشى إلى الأعمش٢، فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش، وتركوا طلحة٣.

هذا والله الكبريت الأحمر ٤ والإكسير٥، لا ما يظن إكسيرًا في الكيمياء. والمعاملة مع الله تعالى هكذا تكون.


١ رواه الترمذي "٢٨١٩"، والحاكم "٤/ ١٣٥"، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
٢ طلحه بن مصرف: أبو محمد اليامي الإمام، الحافظ المقرئ، توفي سنة "١١٢ هـ". وقد تصحف في الأصل إلى مطرف.
٣ سليمان بن مهران الكوفي: الإمام شيخ المحدثين والمقرئين "٦١-١٤٨هـ".
٤ الكبريت الأحمر يضرب بندرته المثل.
٥ الإكسير: شراب زعم الأقدمون أنه يطيل الأعمار، وأطلق أيضًا على حجر تعالج به المعادن الخسيسة فتتحول إلى ذهب.

<<  <   >  >>