للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إذا لم يكن له قوت يكفي، فالهم الذي يريد اجتماعه في تلك الأمور يتشتت، ويصير طالبًا للتحيل في "جمع" القوت، فيذهب العمر في تحصيل قوت البدن الذي يريد من بقائه غير بقائه، ويفوت المقصود بببقائه، وربما احتاج إلى الأنذال١.

قال الشاعر:

حسبي من الدهر ما كفاني ... يصون عرضي عن الهوان

مخافة أن يقول قوم ... فضل فلان على فلان

١٠١٧- فينبغي للعاقل أن إذا رزق قوتًا، أو كان له مواد: أن يحفظها، ليتجمع همه، ولا ينبغي أن يبذر في ذلك، فإنه يحتاج فيتشتت همه، والنفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت؛ فإن لم يكن له مال، اكتسب بقدر كفايته، وقلل الغلو، ليجمع همه. وليقنع بالقليل؛ فإنه متى سمت همته إلى فضول المال، وقع المحذور من التشتت؛ لأن التشتت في الأول للعدم، وهذا التشتت يكون للحرص على الفضول، فيذهب العمر على البارد٢:

ومن ينفق الأيام في حفظ ماله ... مخافة فقر، فالذي فعل الفقر

١٠١٨- فافهم هذا يا صاحب الهمة في طلب الفضائل؛ فإنك ما لم تعزل قوت الصبيان، شتتوا قلبك، وطبعك طفل، ففرغ همك من استعانته، واعرف قدر شرف المال الذي أوجب جمع همك، وصان عرضك عن الخلق، وإياك أن يحملك الكرم على فرط الإخراج، فتصير كالفقير المتعرض لك بالتعرض لغيرك.

١٠١٩- وفي الحديث: أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى عليه آثار الفقر، فعرض به، فأعطي شيئًا، فجاء فقير آخر، فآثره الأول ببعض ما أعطي، فرماه النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ونهاه عن مثل ذلك٣.

١٠٢٠- والقناعة بما يكفي، وترك التشوف إلى الفضول أصل الأصول. ولما


١ في الأصل: الانذلال.
٢ دون فائدة.
٣ رواه أبو داود "١٦٧٥"، والترمذي "٥١١"، والنسائي "٢٥٣٥" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <   >  >>