للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: أنه لا يظن أن يكون نعيم فوق ما هو فيه، وإن علت منزلة غيره.

والثاني: أنه يحبب إليه، كما يحبب إليه ولده المستوحش الخلقة؛ فإنه يؤثره على الأجنبي المستحسن.

١٠٣٨- إلا أن تحت هذا معنى لطيفًا، وهو أن القوم خلقت لهم همم قاصرة في الدنيا عن طلب الفضائل، ويتفاوت قصورها: فمنهم من يحفظ بعض القرآن، ولا يتوق إلى التمام، ومنهم من يسمع يسيرًا من الحديث، ومنهم من يعرف قليلًا من الفقه، ومنهم من قد رضي من كل شيء بيسيره، ومنهم متقصر على الفرائض، ومنهم قنوع بصلاة ركعتين في الليل، ولو علت بهم الهمم، لجدت في تحصيل كل الفضائل، ونبت١ عن النقص، فاستخدمت البدن، كما قال الشاعر٢:

ولكل جسم في النحول بليةٌ ... وبلاء جسمي من تفاوت همَّتِي

١٠٣٩- ويدل على تفاوت الهمم أن في الناس من يسهر في سماع سمر، ولا يسهل عليه السهر في سماع القرآن! والإنسان يحشر، ومعه تلك الهمة، فيعطى على مقدار ما حصلت في الدنيا، فكما لم تتق إلى الكمال، وقنعت بالدون، قنعت في الآخرة بمثل ذلك.

١٠٤٠- ثم إن القوم يتفكرون بعقولهم، فيعلمون أن الجزاء على قدر العمل، ولا يطمع من صلى ركعتين في ثواب من صلى ألفًا.

١٠٤١- فإن قال قائل: فكيف يتصور لها ألا تروم ما ناله من هو أفضل منها!!

قلت: إن لم يتصور نيله، [فكيف] يتصور الحزن على فوته؟! وهل رأيت عاميًا يحزن على فوات الفقه حزنًا يفلقه؟! هيهات! لو كان ذلك الحزن عنده، لحركة إلى التشاغل! فليس عندهم همة توجب الأسف، مع أنهم قد رضوا بما هم فيه. فافهم ما قلته، وبادر، فهذا ميدان السباق.


١ نبت: ابتعدت.
٢ نسبة المؤلف في الفصل "١٧٠" للرضي ولم أجده وفي ديوانه.

<<  <   >  >>