للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما يدرون أَنَّ العلم خصمهم! وأنه يغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنب، وذاك؛ لأن الجاهل لم يتعرف بالحق، والعالم لم يتأدب معه.

١٠٥٤- ورأيت بعض القوم يقول: أنا قد ألقيت منجلي بين الحصادين ونمت! ثم كان يتفسح في أشياء لا تجوز!! فتفكرت؛ فإذا العلم -الذي هو معرفة الحقائق، والنظر في سير القدماء، والتأدب بآداب القوم، ومعرفة الحق، وما يجب له ليس عند القوم، إن ما عندهم صور ألفاظ، يعرفون بها ما يحل وما يحرم، وليس كذلك العلم النافع، إنما العلم فهم الأصول، ومعرفة المعبود وعظمته، وما يستحقه، والنظر في سير الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، والتأدب بآدابهم، وفهم ما نقل عنهم، هو العلم النافع الذي يدع أعظم العلماء أحقر عند نفسه من أجهل الجهال.

١٠٥٥- ورأيت بعض من تعبد مدة، ثم فتر، فبلغني أنه قال: عبدته عبادة ما عبده بها أحد!! والآن قد ضعفت. فقلت: ما أخوفني أن تكون كلمته هذه سببًا لرد الكل! لأنه قد رأى أنه عمل مع الحق شيئًا، وإنما وقف يسأل النجاة بطلب الدرجات، ففي حق نفسه فعل، وما مثله إلا كمثل من وقف يكدي١، فلا ينبغي أن يمن على المعطي. وإنما سبب هذا الانبساط الجهل بالحقائق.

وأين هو من كبار علماء المعاملة، والذين كان فيهم مثل صلة بن أشيم٢، إذا رآه السبع، هرب منه، وهو يقول إذا انقضى الليل عند صلاته: يا رب! أجرني من النار، أو٣ مثلي يسأل الجنة؟! وأبلغ من ذا قول عمر: وددت أن أنجو كفافًا لا لي ولا علي ٤! وقول سفيان عند موته لحماد بن سلمة: أترجو لمثلي أن ينجو من النار. وقول أحمد: لا، بعد.

١٠٥٦- فأنا أحمد الله عز وجل إذ تخلصت من جهل المتسمين بالعلم من هؤاء الذين ذممتهم، وبالزهد من هؤلاء الذين عبتهم، فإني قد اطلعت من عظمة الخالق


١ يكدي: يلحّ في المسألة.
٢ الزاهد العابد، تابعي قتل في سجستان أثناء معركة مع الترك سنة "٦٢هـ".
٣ في الأصل: و.
٤ رواه البخاري "٣٧٠٠".

<<  <   >  >>